الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَخَالَفَنَا فِي الْيَمِين مَعَ الشَّاهِدِ مَعَ ثُبُوتِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ خِلاَفًا أَسْرَفَ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ لَوْ حَكَمْتُمْ بِمَا لاَ نَرَاهُ حَقًّا مِنْ رَأْيِكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ وَإِنْ حَكَمْتُمْ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ رَدَدْنَاهَا فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ رَدَدْت الَّذِي يَلْزَمُك أَنْ تَقُولَ بِهِ وَلاَ يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا خِلاَفُهُ; لِأَنَّهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجَزْت آرَاءَنَا الَّتِي لَوْ رَدَدْتهَا كَانَتْ أَخَفَّ عَلَيْك فِي الْمَأْثَمِ. قَالَ إنَّهَا خِلاَفُ كِتَابِ اللَّهِ وَنَحْنُ نَرُدُّهَا بِأَشْيَاءَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَقَدْ جَهَدْت أَنْ أَتَقَصَّى مَا كَلَّمُونِي بِهِ فِي رَدِّ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَكَانَ مِمَّا كَلَّمَنِي بِهِ بَعْضُ مَنْ رَدَّهَا أَنْ قَالَ لَمْ تَرْوِهَا إلَّا مِنْ حَدِيثٍ مُرْسَلٍ قُلْنَا: لَمْ نُثْبِتْهَا بِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ وَإِنَّمَا أَثَبَتْنَاهَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَرُدُّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِثْلَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُهُ مَعَ أَنَّ مَعَهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ يَشُدُّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ فَكَيْفَ قُلْتُمْ يُقْضَى بِهَا فِي الْأَمْوَالِ دُونَ غَيْرِهَا فَجَعَلْتُمُوهَا تَامَّةً فِي شَيْءٍ نَاقِصَةً فِي غَيْرِهِ؟ فَقُلْت لَهُ لِمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَهُوَ حَمَلَهَا قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَمْوَالِ كَانَ هَذَا مَوْصُولاً فِي خَبَرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ جَعْفَرٌ فِي الْحَدِيثِ فِي الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ مَالٌ وَقَالَهُ مَنْ لَقِيت مِنْ حَمَلَتِهَا, وَالْحُكَّامِ بِهَا قُلْنَا إذَا قِيلَ: بِهَا فِي الْأَمْوَالِ دَلَّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقْضَى بِهَا فِي غَيْرِ مَا قُضِيَ بِهَا فِيهِ; لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ أَصْلٌ فِي الْحُقُوقِ فَهُمَا ثَابِتَانِ, وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ أَصْلٌ فِيمَا يُحْكَمُ بِهَا فِيهِ وَفِيمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ مَعْنَاهُ كَانَ عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّاهِدَانِ قَالَ فَالْعَبْدُ؟ قُلْت: لَهُ فَإِذَا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا عَلَى عَبْدٍ أَنَّهُ لَهُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ, قَالَ فَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ؟ قُلْت فَلاَ يُعْتَقُ. قَالَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ يُقِيمُ رَجُلٌ عَلَيْهِ شَاهِدًا وَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ يُقِيمُ شَاهِدًا أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ؟ قُلْت الْفَرْقُ الْبَيِّنُ, قَالَ وَمَا هُوَ؟ قُلْت أَرَأَيْت إنْ: {قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْأَمْوَالِ} أَمَا فِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ الْمَالَ الْمَقْضِيَّ بِهِ لِلْمُقِيمِ شَاهِدًا الْحَالِفِ هُوَ مَا لَيْسَ بِالْمَقْضِيِّ لَهُ وَلاَ بِالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ إلَى يَدِي الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ فَمَلَّكَهُ إيَّاهُ كَمَا كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَهُ مَالِكًا؟ قَالَ بَلَى قُلْت: وَهَكَذَا الْعَبْدُ الَّذِي سَأَلْت عَنْهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِي مَالِكِهِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ إلَى مَالِكٍ مَقْضِيِّ لَهُ قَالَ نَعَمْ: قُلْت أَفَلَيْسَ تَجِدُ مَعْنَى الْعَبْدِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ غَيْرَ مَعْنَى الْمَالِ الَّذِي يَتَنَازَعُ فِيهِ الْمَشْهُودُ لَهُ, وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنَازِعُ فِي نَفْسِهِ؟ قَالَ إنَّهُ لَيُخَالِفُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قُلْت: وَيُخَالِفُهُ أَنَّهُ لاَ يُخْرِجُهُ مِنْ يَدِي مَالِكِهِ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ مَا كَانَ سَيِّدُهُ يَمْلِكُهُ كَمَا كَانَ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْمَالَ, ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ يَدِهِ فَمَلَكَهُ الْمَقْضِيُّ لَهُ قَالَ أَجَلْ قُلْت: فَكَيْفَ أَقْضِي بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي شَيْءٍ مَعْنَاهُ غَيْرُ مَعْنَى مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ فَإِنَّك تُعْتِقُهُ بِالشَّاهِدَيْنِ؟ قُلْت: أَجَلْ وَأَقْتُلُ بِالشَّاهِدَيْنِ; لِأَنَّهُمَا حُكْمٌ مُطْلَقٌ, وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ حُكْمٌ خَاصٌّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَقُلْت لَهُ رَأَيْتُك عِبْت أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ تَامَّةً فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَفَرَأَيْت الشَّاهِدَيْنِ أَلَيْسَا تَامَّيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ نَاقِصَيْنِ فِي الزِّنَا؟ قَالَ بَلَى. قُلْت أَفَرَأَيْت الشَّاهِدَ وَالِامْرَأَتَيْنِ أَلَيْسَا تَامَّيْنِ فِي الْأَمْوَالِ نَاقِصَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا؟ قَالَ: بَلَى قُلْت أَرَأَيْت شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الِاسْتِهْلاَلِ وَالرَّضَاعِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ أَلَيْسَتْ تَامَّةً حَتَّى يُلْحَقَ بِهَا النَّسَبُ وَفِيهِ عَظِيمٌ مِنْ الْأَمْوَالِ وَأَنْ يَكُونَ لِمَنْ شَهِدَتْ لَهُ امْرَأَةٌ عِنْدَك أَنَّ فُلاَنَةَ وَلَدَتْهُ, وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يُنْكِرُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ نَسَبُهُ فَيَعْفُو دَمَهُ وَيَرَى بَنَاتِهِ وَيَرِثَ مَالَهُ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت أَرَيْت أَهْلَ الذِّمَّةِ أَلَيْسَتْ تَتِمُّ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَك فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِفَلْسٍ لَمْ يَجُزْ؟ قَالَ بَلَى قُلْت, وَلَوْ شَهِدَتْ لِرَجُلٍ امْرَأَةٌ وَحْدَهَا عَلَى أَحَدٍ بِفَلْسٍ لَمْ يَجُزْ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت, فَأَسْمَعك فِيمَا عَدَا شُهُودَ الزِّنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ جَعَلْت الشَّهَادَاتِ كُلَّهَا تَامَّةً فِي شَيْءٍ نَاقِصَةً فِي غَيْرِهِ وَعِبْت ذَلِكَ عَلَيْنَا وَإِنَّمَا قُلْنَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْنَاهَا حَيْثُ وَضَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعْنَا حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ وَضَعَهُ. قَالَ فَقَالَ فَإِذَا حَلَّفْتُمْ الرَّجُلَ مَعَ شَاهِدِهِ فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّ رَجُلاً لَوْ كَانَ غَائِبًا عَنْ بَلَدٍ فَشَهِدَ لَهُ رَجُلٌ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وَصِيَّةٍ, أَوْصَى لَهُ بِهَا مَيِّتٌ, أَوْ شَهِدَ لِابْنِهِ بِحَقٍّ وَهُوَ يَوْمَ شَهِدَ الشَّاهِدُ صَغِيرٌ وَغَائِبٌ, أَوْ شَهِدَ لَهُ بِحَقِّ وَلِيِّهِ عَبْدٌ لَهُ, أَوْ وَكِيلٌ حَلَفَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ شَهِدَ شَاهِدُهُ بِحَقٍّ أَمْ لاَ وَهُوَ إنْ حَلَفَ حَلَفَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَقُلْت لَهُ لاَ يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُ وَلَكِنَّ الْعِلْمَ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ. قَالَ وَمَا هِيَ؟ قُلْت أَنْ يَرَى الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ, أَوْ يَسْمَعَ بِأُذُنِهِ مَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ, أَوْ يَبْلُغُهُ فِيمَا غَابَ عَنْهُ الْخَبَرُ يُصَدِّقُهُ فَيَسَعُهُ الْيَمِينُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا. قَالَ أَمَّا الرُّؤْيَةُ وَمَا سَمِعَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَأَعْرِفُهُ. وَأَمَّا مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ الَّذِي يُصَدِّقُ فَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِ الْكَذِبُ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا عِلْمًا أُحَلِّفُهُ عَلَيْهِ؟ قَالَ فَقُلْت لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَى عِلْمِهِ أَوْلَى أَنْ لاَ يَشْهَدَ بِهَا حَتَّى يَسْمَعَهَا مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ, أَوْ يَرَاهَا, أَوْ الْيَمِينُ قَالَ كُلٌّ لاَ يَنْبَغِي إلَّا هَكَذَا وَإِنَّ الشَّهَادَةَ لاََوْلاَهُمَا أَنْ لاَ يَشْهَدَ مِنْهَا إلَّا عَلَى مَا رَأَى, أَوْ سَمِعَ قُلْت; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَى عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: {وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا} وَقَالَ: {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قَالَ نَعَمْ قُلْت لَهُ أَفَيَشْهَدُ الرَّجُلُ عَلَى أَنَّ فُلاَنًا ابْنُ فُلاَنٍ وَهُوَ غَرِيبٌ لَمْ يَرَ أَبَاهُ قَطُّ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَإِنَّمَا سَمِعَهُ يَنْتَسِبُ هَذَا النَّسَبَ وَلَمْ يَسْمَعْ مَنْ يَدْفَعُهُ عَنْهُ وَلاَ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِأَنَّ مَا قَالَ كَمَا قَالَ. قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَيَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ فُلاَنٍ وَأَنَّ هَذَا الثَّوْبَ ثَوْبُهُ, وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ غَصَبَ هَذِهِ الدَّارَ, أَوْ أُعِيرَهَا وَيُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ. قَالَ وَإِنْ أَمْكَنَ, إذَا لَمْ يَرَ مُدَافِعًا لَهُ فِي الدَّارِ وَالثَّوْبِ, وَكَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ كَمَا شَهِدَ وَسِعَتْهُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ أَمْكَنَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَيْسَ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ وَلَكِنْ يَشْهَدُ عَلَى الْأَغْلَبِ قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا وُلِدَ بِالْمَشْرِقِ, أَوْ بِالْمَغْرِبِ, وَالْمُشْتَرِي ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ, أَوْ أَكْثَرَ, وَالْمُشْتَرَى ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً, ثُمَّ بَاعَهُ, فَأَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ تُحَلِّفُ الْبَائِعَ؟ قَالَ أُحَلِّفُهُ لَقَدْ بَاعَ الْعَبْدَ بَرِيئًا مِنْ الْإِبَاقِ قَالَ فَقُلْت يَحْلِفُ الْبَائِعُ فَقَالَ لَك هَذَا مَغْرِبِيٌّ, أَوْ مَشْرِقِيٌّ, وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبَقَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ جَدِّي, قَالَ وَإِنْ; يُسْأَلُ؟ قُلْت وَكَيْفَ تُمْكِنُ الْمَسْأَلَةُ؟ قَالَ كَمَا أَمْكَنَتْك قُلْت وَكَيْفَ يَجُوزُ هَذَا؟ قَالَ; لِأَنَّ الْأَيْمَانَ يَدْخُلُهَا هَذَا قَالَ أَوَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْعَبْدُ وُلِدَ عِنْدَهُ أَمَا كَانَ يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يَأْبَقَ وَلاَ يَدْرِي بِهِ؟ قُلْت بَلَى: قَالَ فَهَذَا لاَ تَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ عَلَى الْبَتِّ لَقَدْ بَاعَ بَرِيئًا مِنْ الْإِبَاقِ وَلَكِنْ يَسَعُهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى عِلْمِهِ قُلْت فَهَلْ طَعَنْت فِي الْحَالِفِ عَلَى الْحَقِّ يَصِيرُ لَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَصِيَّةٌ, أَوْ مِيرَاثٌ, أَوْ شَيْءٌ يَلِيه عَبْدُهُ, أَوْ وَكِيلُهُ غَائِبًا عَنْهُ بِشَيْءٍ إلَّا لَزِمَك أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الشَّهَادَاتِ, وَالْأَيْمَانِ؟ قَالَ مَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْ هَذَا بُدًّا وَمَا زَالَ النَّاسُ يُجِيزُونَ مَا وَصَفْت لَك: قُلْت فَإِذَا أَجَازُوا الشَّيْءَ فَلِمَ لَمْ يُجِيزُوا مِثْلَهُ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عِلْمًا يُسْمَعُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ, وَالْيَمِينُ مِنْهُ؟ قَالَ هَذَا يَلْزَمُنَا قَالَ فَإِنَّ مِمَّا رَدَدْنَا بِهِ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَهَا قُلْت لَقَدْ قَضَى بِهَا الزُّهْرِيُّ حِينَ وَلِيَ فَلَوْ كَانَ أَنْكَرَهَا, ثُمَّ عَرَفَهَا وَكُنْت إنَّمَا اقْتَدَيْت بِهِ فِيهَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ لَهَا عِنْدَك أَنْ يَقْضِيَ بِهَا بَعْدَ إنْكَارِهَا وَتَعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَهَا غَيْرَ عَارِفٍ بِهَا وَقَضَى بِهَا مُسْتَفِيدًا عِلْمَهَا, وَلَوْ أَقَامَ عَلَى إنْكَارِهَا مَا كَانَ فِي هَذَا مَا يُشْبِهُ عَلَى عَالِمٍ قَالَ وَكَيْفَ قُلْت أَرَوَيْت أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنْكَرَ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ: {حَدِيثَ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لَهَا الْمَهْرَ, وَالْمِيرَاثَ} وَرَدَّ حَدِيثَهُ وَقَالَ بِخِلاَفِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَقَالَ بِخِلاَفِ حَدِيثِ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ مَعَ عَلِيٍّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَرَوَيْت عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ رَوَى: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْجُنُبَ أَنْ يَتَيَمَّمَ}, فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَأَقَامَ عُمَرُ عَلَى أَنْ لاَ يَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عُمَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَتَأَوَّلاَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَرَوَيْت وَرَوَيْنَا: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ النَّاسِ إلَّا بِلاَلٌ وَأُسَامَةُ وَعُثْمَانَ, فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَكُلُّهُمْ سَمِيعٌ بَصِيرٌ حَرِيصٌ عَلَى حِفْظِ فِعْلِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فَخَرَجَ أُسَامَةُ فَقَالَ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ فِيهَا فَجَعَلَ كُلَّمَا اسْتَقْبَلَ مِنْهَا نَاحِيَةً اسْتَدْبَرَ الْأُخْرَى وَكَرِهَ أَنْ يَسْتَدْبِرَ مِنْ الْبَيْتِ شَيْئًا فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهَا وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُفْتِي أَنْ لاَ يُصَلَّى فِي الْبَيْتِ} وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا بِحَدِيثِ أُسَامَةَ. وَقَالَ بِلاَلٌ صَلَّى فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ يُصَلَّى فِي الْبَيْتِ, وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَ أَحَقُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ; لِأَنَّ الَّذِي قَالَ: كَانَ شَاهِدٌ وَاَلَّذِي قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَيْسَ بِشَاهِدٍ, قُلْت: وَجَعَلْت حَدِيثَ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ سُنَّةً وَلَمْ تُبْطِلْهَا بِرَدِّ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه, وَخِلاَفِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدٍ وَثَبَتَ حَدِيثُ بِرْوَعَ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَجَعَلْت تَيَمُّمَ الْجُنُبِ سُنَّةً وَلَمْ تُبْطِلْهَا بِرَدِّ عُمَرَ وَخِلاَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّيَمُّمِ وَتَأَوُّلُهُمَا قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وَالطُّهُورُ بِالْمَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} قَالَ: نَعَمْ قُلْت لَهُ, وَكَذَلِكَ تَقُولُ لَوْ دَخَلْت أَنَا وَأَنْتَ عَلَى فَقِيهٍ, أَوْ قَاضٍ فَخَرَجْت فَقُلْت حَدَّثَنَا كَذَا وَقَضَى بِكَذَا وَقُلْت أَنْتَ مَا حَدَّثَنَا وَلاَ قَضَى بِشَيْءٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلِي لِأَنِّي شَاهِدٌ وَأَنْتَ مُضَيِّعٌ, أَوْ غَافِلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَالزُّهْرِيُّ لَمْ يُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ فَلَوْ أَقَامَ عَلَى إنْكَارِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَيُّ حُجَّةٍ تَكُونُ فِيهِ إذَا كَانَ مَنْ أَنْكَرَ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ لاَ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ كَانَ الزُّهْرِيُّ إذَا لَمْ يُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِأَنْ لاَ يُوهَنَ بِهِ حَدِيثُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ السُّنَنِ قَدْ يَعْزُبُ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَجِدُوهَا عِنْدَ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ وَحَمَلِ بْنِ مَالِكٍ مَعَ قِلَّةِ صُحْبَتِهِمَا وَبُعْدِ دَارِهِمَا وَعُمَرُ يَطْلُبُهَا مِنْ الْأَنْصَارِ, وَالْمُهَاجِرِينَ فَلاَ يَجِدُهَا فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَنَا وَعِنْدَك أَنَّ مَنْ حَدَّثَ أَوْلَى مِمَّنْ أَنْكَرَ الْحَدِيثَ فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِأَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ؟ فَقَالَ لِي: لَقَدْ عَلِمْت مَا فِي هَذَا حُجَّةٌ. قُلْت: فَلِمَ احْتَجَجْت. بِهِ؟ قَالَ احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا وَأَنَّ عَطَاءً أَنْكَرَهَا. قُلْت وَالزَّنْجِيُّ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لاَ رَجْعَةَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُذِرَ فَيَأْتِي بِشَاهِدٍ وَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَعَطَاءٌ يُفْتِي بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِيمَا لاَ يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا, وَلَوْ أَنْكَرَهَا عَطَاءٌ هَلْ كَانَتْ الْحُجَّةُ فِيهِ إلَّا كَهِيَ فِي الزُّهْرِيِّ وَأَضْعَفُ مِنْهَا فِيمَنْ أَنْكَرَ مَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ لاَ, قُلْت لَوْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهَا أَكَانَ لِأَحَدٍ خِلاَفُهَا وَرَدُّهَا بِالتَّأْوِيلِ؟ قَالَ لاَ فَذَكَرْت لَهُ بَعْضَ مَا رَوَيْنَا فِيهَا وَقُلْت لَهُ أَتُثْبِتُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ وَلَكِنِّي لَمْ أَكُنْ سَمِعْته قُلْت: أَفَذَهَبَ عَلَيْك مِنْ الْعِلْمِ شَيْءٌ؟ قَالَ نَعَمْ, قُلْت فَلَعَلَّ هَذَا مِمَّا قَدْ ذَهَبَ عَلَيْك وَإِذْ قَدْ سَمِعْته فَصِرْ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْك. قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ} أَنَّ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ شَهِدَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَسَأَلْته مَنْ أَخْبَرَهُ فَإِذَا هُوَ يَأْتِي بِخَبَرٍ ضَعِيفٍ لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَنَا وَلاَ عِنْدَهُ, فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ خَبَرُك هَذَا قَوِيًّا, وَكَانَ خُزَيْمَةُ قَدْ شَهِدَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ, فَأَحْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ تَكُنْ خَالَفْت خَبَرَك الَّذِي بِهِ احْتَجَجْت؟ قَالَ وَأَيْنَ خَالَفْته؟ قُلْت أَيَعْدُو خُزَيْمَةُ أَنْ يَكُونَ يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ فَهُوَ كَمَا قُلْنَا قَالَ لاَ وَلَكِنَّهُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدَيْنِ قُلْت فَإِنْ جَاءَ طَالِبُ حَقٍّ بِشَاهِدَيْنِ أَتُحَلِّفُهُ مَعَهُمَا؟ قَالَ لاَ, وَلَكِنْ أُعْطِيه حَقَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ, قُلْت لَهُ: فَهَذِهِ إذًا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْرَى خَالَفْتهَا; لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَضَى بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَقَدْ أَحْلَفَ مَعَ شَاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَضَى بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَهُوَ كَشَاهِدَيْنِ فِيمَا رَوَيْنَا عَنْهُ فَقَدْ قَضَى قَضِيَّتَيْنِ خَالَفْتهمَا مَعًا. قَالَ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَضَى بِالْيَمِينِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ حَقَّ الطَّالِبِ حَقٌّ فَقُلْت لَهُ: أَفَيَجُوزُ فِي جَمِيعِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى فِيهِ بِقَضِيَّةٍ إمَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ, أَوْ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُ إنَّمَا قَضَى بِهِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ, أَوْ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ حَقٌّ فَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِبَيِّنَةٍ وَلاَ بِإِقْرَارٍ; لِأَنَّ أَحَدًا بَعْدَهُ لاَ يَعْلَمُ صِدْقَ الْبَيِّنَةِ وَلاَ الْمُقِرِّ; لِأَنَّ هَذَا لاَ يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ, وَالْوَحْيُ قَدْ انْقَطَعَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ, قُلْت: وَمَا قَضَى بِهِ عَلَى مَا قَضَى بِهِ وَلاَ يَبْطُلُ بِلَعَلَّ؟ قَالَ نَعَمْ, قُلْت: فَلِمَ أَرَدْت إبْطَالَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ بِلَعَلَّ؟ وَقُلْت لَهُ: وَأُكَلِّمُك عَلَى لَعَلَّ أَفَرَأَيْت لَوْ جَاءَك رَجُلٌ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا فَعَلِمْت أَنَّهَا عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ هَلْ تَعْدُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَتَأْخُذَهَا لَهُ مِنْهُ وَلاَ تُكَلِّفَهُ شَاهِدًا وَلاَ يَمِينًا, أَوْ مِمَّنْ لاَ يَأْخُذُ بِعِلْمِهِ فَلاَ تُعْطِيه إيَّاهَا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ سِوَاك؟ قَالَ مَا أَعْدُو هَذَا, قُلْت لَهُ: فَلَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ مَا ادَّعَى الْمُدَّعِي حَقٌّ كُنْت خَالَفْته؟ قَالَ فَلَعَلَّ الْمَطْلُوبَ رَضِيَ بِيَمِينِ الطَّالِبِ. قُلْت: وَقَدْ عُدْت إلَى لَعَلَّ, وَقُلْت: أَرَأَيْت لَوْ جَاءَك خَصْمَانِ فَرَضِيَ الْمَطْلُوبُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ أَكُنْت تُكَلِّفُهُ شَاهِدًا وَتُحَلِّفُهُ؟ قَالَ: لاَ, قُلْت: وَلَوْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ, وَالْمَطْلُوبُ يَرْضَى بِيَمِينِهِ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا قَالَ لاَ أُعْطِيه بِيَمِينِهِ مَعَ شَاهِدِهِ شَيْئًا وَلَكِنْ إنْ أَقَرَّ بِحَقِّهِ أَعْطَيْته. قُلْت: أَنْتَ تُعْطِيه إذَا أَقَرَّ وَلاَ تُحَلِّفُ الطَّالِبَ؟ قَالَ نَعَمْ, قُلْت: فَهَذِهِ سُنَّةٌ أُخْرَى إنْ كَانَتْ كَمَا قُلْت خَالَفْتهَا. قَالَ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فِي أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْت: عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمُوا بِهَا كَمَا حَكَمَ, وَكَذَلِكَ أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ. قَالَ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْكُمُ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ, قُلْت: فَمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ فَقَدْ بَيَّنَهُ, وَذَلِكَ مِثْلُ مَا أَحَلَّ لِلنَّاسِ وَحَرَّمَ وَمَا حَكَمَ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْبَيِّنَةِ فَعَلَى الظَّاهِرِ حَكَمَ بِهِ؟ قَالَ فَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْت: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ, فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ, فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْنَهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قُلْت لَهُ: فَقَدْ أَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ وَأَنَّ اللَّهَ وَلِيَ مَا غَابَ عَنْهُ وَلْيَسْتَنَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَيَحْكُمُوا عَلَى مَا يَظْهَرُ لَهُمْ; لِأَنَّ أَحَدًا بَعْدَهُ مِنْ وُلاَةِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يَعْرِفُ صِدْقَ الشَّاهِدِ أَبَدًا إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الظَّاهِرِ, وَقَدْ يُمْكِنُ فِي الشُّهُودِ الْكَذِبُ, وَالْغَلَطُ, وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ لاَ يَكُونُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْضِي بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; لِأَنَّ أَحَدًا لاَ يَعْرِفُ الْبَاطِنَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إذَا حَلَّفْتُمْ الْحُرَّ مَعَ شَاهِدِهِ فَكَيْفَ أَحَلَفْتُمْ الْمَمْلُوكَ, وَالْكَافِرَ الَّذِي لاَ شَهَادَةَ لَهُ؟ قُلْت: أَرَأَيْت الْحُرَّ الْعَدْلَ إذَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ؟ قَالَ لاَ, قُلْت: وَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ أُحْلِفَ عَلَى شَهَادَتِهِ؟ قَالَ لاَ, قُلْت: فَكَيْفَ تَوَهَّمْت أَنَّا جَعَلْنَاهُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ؟ قَالَ; لِأَنَّكُمْ أَعْطَيْتُمُوهُ بِيَمِينِهِ فَقَامَتْ مَقَامَ شَاهِدٍ, فَقُلْت لَهُ: أَعْطَيْنَاهُ بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ وَإِنْ أُعْطِيَ بِهَا كَمَا يُعْطَى بِشَاهِدٍ فَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَعْنَى الشَّهَادَةِ, قَالَ وَهَلْ تَجِدُ عَلَى مَا تَقُولُ دَلاَلَةً؟ قُلْت نَعَمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, قُلْت لَهُ: أَرَأَيْت إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا ادَّعَى عَلَيْهِ أَيَبْرَأُ؟ قَالَ نَعَمْ, قُلْت: فَإِنْ حَلَفَ وَلاَ بَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَيَبْرَأُ؟ قَالَ نَعَمْ, قُلْت: أَفَتَقُومُ يَمِينُهُ بِبَرَاءَتِهِ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مَقَامَ شَاهِدَيْنِ؟ قَالَ نَعَمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ, قُلْت: أَفَيَمِينُهُ شَاهِدَانِ؟ قَالَ لاَ وَهُمَا إنْ اجْتَمَعَا فِي مَعْنَى فَقَدْ يَفْتَرِقَانِ فِي غَيْرِهِ; لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ, فَأَبْرَأْته, ثُمَّ جَاءَ طَالِبُ الْحَقِّ بِشَاهِدَيْنِ أَبْطَلْت يَمِينَهُ وَأَخَذْت لِصَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ بِشَهَادَتِهِ, قُلْنَا فَهَكَذَا قُلْنَا فِي الْيَمِينِ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بِهَا كَمَا أَعْطَيْنَا بِشَاهِدٍ فَلَيْسَتْ كَالشَّاهِدِ فِي كُلِّ أَمْرِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي زَمَانٍ أَهْلُهُ أَهْلُ عَدْلٍ وَإِسْلاَمٍ وَالنَّاسُ الْيَوْمَ لَيْسُوا كَذَلِكَ وَلاَ أُحَلِّفُ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُشْرِكٍ وَلاَ مُسْلِمٍ غَيْرِ عَدْلٍ, قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ, وَإِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَهُوَ عَامٌّ, قُلْنَا, وَكَذَلِكَ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَمَّا قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَالِبِ الْحَقِّ كَانَ الْحُرُّ الْعَدْلُ وَغَيْرُهُ سَوَاءً فِيهَا, وَالْعَبْدُ, وَالْكَافِرُ كَمَا يَكُونُونَ سَوَاءً فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَيْمَانِ فَيَكُونُ خَيْرُ النَّاسِ لَوْ كَانَ يَعْرِفُ إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ يَحْلِفُ فَيُبَرَّأُ, وَالْكَافِرُ أَيْضًا كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَحْلِفَانِ وَيَأْخُذَانِ, وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت أَهْلَ مَحَلَّةٍ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَتِيلٌ, فَأَقَامَ وَلِيُّهُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ خَطَأً؟ قَالَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ, قُلْت: فَلَوْ لَمْ يُقِمْ شَاهِدَيْنِ أَتُحَلِّفُهُمْ وَتُعْطِيهِمْ الدِّيَةَ؟ قَالَ نَعَمْ كَمَا نُعْطِيهِمْ إذَا أَتَى بِشَاهِدَيْنِ, قُلْت: فَأَيْمَانُهُمْ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ دَمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدَانِ كَشَاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِمْ بِقَتْلِهِ فَقَالَ لاَ, فَقُلْت لَهُ وَلِمَ, وَقَدْ أَعْطَيْت بِهَا كَمَا أَعْطَيْت بِالشَّاهِدَيْنِ؟ قَالَ إنَّمَا أُعْطِيت بِالْأَثَرِ, قُلْت: وَلاَ يَلْزَمُك هَا هُنَا حُجَّةٌ؟ قَالَ لاَ, قُلْنَا فَنَحْنُ أَعْطَيْنَا بِالسُّنَّةِ الَّتِي هِيَ أَوْلَى مِنْ الْأَثَرِ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْحُجَّةَ لَزِمَتْنَا؟ قُلْت لَهُ: فَأَيْمَانُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَهُمْ مُشْرِكُونَ كَأَيْمَانِهِمْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ؟ قَالَ نَعَمْ, قُلْت: وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَتُعْطِي الْمُدَّعِي حَقَّهُ؟ قَالَ نَعَمْ, قُلْت أَفَنُكُولُهُ كَشَاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ؟ قَالَ لاَ, قُلْت فَقَدْ أَعْطَيْته بِنُكُولِهِ كَمَا تُعْطِي مِنْهُ بِشَاهِدَيْنِ؟ قَالَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ} قُلْنَا هَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَّتَهُ وَثَبَّتْنَاهُ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ خَاصَّةً وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ} وَرَوَى ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَدْته وَهُوَ أَكْثَرُ وَأَثْبَتُ وَثَبَّتْنَا وَثَبَتَ مَعَنَا الَّذِي هُوَ دُونَهُ, وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت إذْ حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الزِّنَا بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ وَجَاءَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} أَمَا صَارَ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَى إجَازَةِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَا وَاثْنَيْنِ فِي غَيْرِ الزِّنَا وَلَمْ يَقُولُوا أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا نَسَخَ الْآخَرَ وَلاَ خَالَفَهُ وَأَمْضُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا جَاءَ فِيهِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت: فَإِذَا أَجَازَ أَهْلُ الْعِلْمِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ بِلاَ كِتَابٍ مَضَى فِيهِ وَلاَ سُنَّةٍ أَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذْ حَدَّ اللَّهُ الشَّهَادَاتِ فَجَعَلَ أَقَلَّهَا شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ فَلاَ تَجُورُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لاَ رَجُلٌ مَعَهُنَّ وَمَنْ أَجَازَهَا خَالَفَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ, قَالَ لاَ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَحْظُرْ الْقُرْآنُ لاَ يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ نَصًّا وَلَمْ تَحْظُرْ ذَلِكَ السُّنَّةُ, وَالْمُسْلِمُونَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. قُلْت: وَالسُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْزَمُ, أَوْ مَا قَالَتْ الْفُقَهَاءُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ, بَلْ السُّنَّةُ, قُلْت فَلِمَ رَدَدْت السُّنَّةَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَتَأَوَّلْت الْقُرْآنَ وَلَمْ تَرُدَّ أَثَرًا بِأَقَلَّ مِنْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَتَأَوَّلْت عَلَيْهِ الْقُرْآنَ؟ قَالَ وَإِذَا ثَبَتَتْ السُّنَّةُ لَمْ أَرُدَّهَا, وَكَانَتْ السُّنَّةُ دَلِيلاً عَلَى الْقُرْآنِ. قُلْت: فَإِنْ عَارَضَك أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا عَارَضْت بِهِ فَقَالَ لاَ يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَلاَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ؟ قَالَ إذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ فَلَيْسَ لَهُ هَذَا, قُلْت, فَمَنْ رَوَى الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْثَقُ وَأَعْرَفُ مِمَّنْ رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مَا رَوَيْت أَفَتَرُدُّ الْقَوِيَّ وَتَأْخُذُ بِأَضْعَفَ مِنْهُ؟ وَقُلْت لَهُ لاَ يَعْدُو الْحُكْمُ بِالشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْهُ فَأَنْتَ تُجِيزُهُ, أَوْ لاَ يَكُونُ مُحَرَّمًا ذَلِكَ, فَأَنْتَ مُخْطِئٌ بِقَوْلِك إنَّهُ مُحَرَّمٌ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْهُ, وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ وَسَكَتْنَا عَنْ كَثِيرٍ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا بَيَّنَّا اكْتِفَاءً بِمَا بَيَّنَّا عَمَّا لَمْ نُبَيِّنْ وَإِنَّ الْحُجَّةَ لَتَقُومُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَيَّنَّا, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ فَمَا تَقُولُ فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَهِيَ عَامَّةٌ؟ قُلْت لاَ, وَلَكِنَّهَا خَاصَّةٌ عَلَى بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ قَالَ فَإِنِّي أَقُولُ إنَّهَا عَامَّةٌ قُلْت حَتَّى يَبْطُلَ بِهَا جَمِيعُ مَا خَالَفْتنَا عَلَيْهِ قَالَ فَإِنْ قُلْت ذَلِكَ؟ قُلْت إذًا تَتْرُكُ عَامَّةَ مَا فِي يَدِك قَالَ وَأَيْنَ قُلْت فَمَا الْبَيِّنَةُ الَّتِي أَمَرْت أَنْ لاَ تُعْطَى بِأَقَلَّ مِنْهَا؟ قَالَ بِشَاهِدَيْنِ, أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ قُلْت فَمَا تَقُولُ فِي مَوْلَى لِي وَجَدْته قَتِيلاً فِي مَحَلَّةٍ فَلَمْ أُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ؟ قَالَ نُحَلِّفُ مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلاً خَمْسِينَ يَمِينًا, ثُمَّ نَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ قُلْت فَقَالُوا لَك زَعَمْت أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يُحَرِّمُ أَنْ يُعْطَى بِأَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ, أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَزَعَمْت أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَرِّمُ أَنْ يُعْطَى مُدَّعٍ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ شَاهِدَانِ عَدْلاَنِ, أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَزَعَمْت أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بَرَاءَةٌ لِمَنْ حَلَفَ فَكَيْفَ أَعْطَيْت بِلاَ شَاهِدٍ وأحلفتنا وَلَمْ تُبَرِّئْنَا فَخَالَفْت فِي جُمْلَةِ قَوْلِك الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؟ قَالَ لَمْ أُخَالِفْهُمَا وَهَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قُلْت أَرَأَيْت لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ عُمَرَ لَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا قَالَ عُمَرُ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ قَالَ لاَ; لِأَنَّ عُمَرَ أَعْلَمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَعْنَى مَا قَالَ قُلْت أَفَدَلَّك هَذَا الْحُكْمُ خَاصَّةً عَلَى أَنَّ دَعْوَاكَ أَنَّ الْكِتَابَ يُحَرِّمُ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ بِأَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَأَنَّ السُّنَّةَ تُحَرِّمُ أَنْ يَحُولَ حُكْمٌ عَنْ أَنْ يُعْطَى فِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ, أَوْ يَحْلِفَ فِيهِ أَحَدٌ, ثُمَّ لاَ يُبَرَّأُ لَيْسَ بِعَامٍّ عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كَمَا قُلْت؟ قَالَ نَعَمْ لَيْسَ بِعَامٍّ وَلَكِنِّي إنَّمَا أَخْرَجْت هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْخَبَرِ عَنْ عُمَرَ قُلْت أَفَرَأَيْتنَا قُلْنَا بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ بِآرَائِنَا, أَوْ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَلْزَمُ لَنَا وَلَك مِنْ الْخَبَرِ عَنْ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْت أَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك أَهْلُ الْمَحَلَّةِ إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي} فَلِمَ لاَ تُكَلِّفُ هَذَا بَيِّنَةً وَقَالَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ ذَلِكَ عُمَرُ أَفَمُدَّعَى عَلَيْنَا قَالَ؟ كَأَنَّكُمْ قُلْنَا وَكَأَنَّكُمْ ظَنٌّ, أَوْ يَقِينٌ هَذَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ لاَ يَزْعُمُ أَنَّا قَتَلْنَاهُ, وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُنَا قَتَلَهُ وَطَرَحَهُ عَلَيْنَا فَكَيْفَ أَحَلَفَتْنَا وَلَسْنَا مُدَّعًى عَلَيْنَا قَالَ فَأَجْعَلُكُمْ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قُلْنَا فَقَالُوا وَلِمَ تَجْعَلْنَا وَوَلِيُّ الدَّمِ لاَ يَدَّعِي عَلَيْنَا, وَإِذَا جَعَلْتنَا أَفَبَعْضُنَا مُدَّعًى عَلَيْهِ, أَوْ كُلُّنَا؟ فَقَالَ, بَلْ كُلُّكُمْ فَقُلْنَا فَقَالُوا فَأَحْلِفْنَا كُلَّنَا فَلَعَلَّ فِينَا مَنْ يُقِرُّ فَتَسْقُطُ الْغَرَامَةُ عَنَّا وَتَلْزَمُهُ قَالَ فَلاَ أُحَلِّفُكُمْ كُلَّكُمْ إذَا جَاوَزْتُمْ خَمْسِينَ قُلْنَا فَقَالُوا لَوْ ادَّعَى عَلَيْنَا دِرْهَمًا أَتُحَلِّفُنَا كُلَّنَا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَقَالُوا فَأَنْتَ تَظْلِمُ وَلِيَّ الْقَتِيلِ إذَا لَمْ تُحَلِّفْنَا كُلَّنَا وَكُلُّنَا مُدَّعًى عَلَيْنَا وَتَظْلِمُنَا إذَا أَحَلَفَتْنَا وَلَسْنَا مُدَّعًى عَلَيْنَا وَتَخُصُّ بِالظُّلْمِ خِيَارَنَا وَلاَ تَقْتَصِرُ عَلَى يَمِينٍ وَاحِدَةٍ عَلَى إنْسَانٍ لَوْ كُنَّا اثْنَيْنِ أَحَلَفْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا, أَوْ وَاحِدًا أَحَلَفْتَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَإِنَّمَا الْأَيْمَانُ عَلَى كُلِّ مَنْ حَلَفَ مَنْ كَانَ فِيمَا سِوَى هَذَا عِنْدَك وَإِنْ عَظُمَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَتُحَلِّفُنَا وَتُغْرِمُنَا فَكَيْفَ جَازَ هَذَا لَك؟ قَالَ رَوَيْتُ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قُلْت فَقَالُوا لَك فَإِذَا رَوَيْتَ أَنْتَ الشَّيْءَ عَنْ عُمَرَ أَلاَ تَتَّهِمَ الْمُخْبِرِينَ عَنْهُ وَتَتْرُكُهُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ يُخَالِفُهُ وَالسُّنَّةِ وَمَا جَاءَ عَنْهُ؟ قَالَ لاَ يَجُوزُ لِي أَنْ أَزْعُمَ أَنَّ الْكِتَابَ وَلاَ السُّنَّةَ وَلاَ قَوْله يُخَالِفُهُ وَلَكِنِّي أَقُولُ الْكِتَابُ عَلَى خَاصٍّ وَالسُّنَّةُ وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ قُلْت فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ غَلِطَ مَنْ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ; لِأَنَّ عُمَرَ لاَ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَوْلُهُ هُوَ نَفْسُهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ لاَ يَجُوزُ أَنْ أَتَّهِمَ مَنْ أَثِقُ بِهِ وَلَكِنِّي أَقُولُ إنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. وَقَوْلَ عُمَرَ عَلَى خَاصٍّ وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِيمَا جَاءَ فِيهِ وَأَسْتَعْمِلُ الْأَخْبَارَ إذَا وَجَدْت إلَى اسْتِعْمَالِهَا سَبِيلاً وَلاَ أُبْطِلُ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ قُلْت فَلِمَ إذَا قُلْنَا بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ زَعَمْت أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ عَامٌّ, ثُمَّ قُلْت الْآنَ خَاصٌّ وَلَمْ تُجِزْ لَنَا مَا أَجَزْت لِنَفْسِك؟ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك أَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ؟ قَالَ نَعَمْ هُوَ ثَابِتٌ فَقُلْت فَقَالَ لَك فَقُلْت بِهِ عَلَى مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ وَلَمْ تَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ إنْ خَالَفَهُ فِي أَصْلِ الْجُمْلَةِ وَقَلَّدْت عُمَرَ فِيهِ؟ قَالَ نَعَمْ وَهُوَ ثَابِتٌ فَقُلْت لَهُ فَقَالَ لَك خَالَفْت الْحَدِيثَ عَنْ عُمَرَ فِيهِ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه كَتَبَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ خَيْرَانِ وَوَدَاعَةَ أَنْ يُقَاسَ مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ أُخْرِجَ إلَيْهِ مِنْهَا خَمْسُونَ رَجُلاً حَتَّى يُوَافُوهُ بِمَكَّةَ, فَأَدْخَلَهُمْ الْحِجْرَ فَأَحْلَفَهُمْ, ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ فَقَالُوا مَا وَقَتْ أَمْوَالَنَا أَيْمَانُنَا وَلاَ أَيْمَانُنَا أَمْوَالَنَا فَقَالَ عُمَرُ كَذَلِكَ الْأَمْرُ وَقَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ حَقَنْتُمْ بِأَيْمَانِكُمْ دِمَاءَكُمْ وَلاَ يَبْطُلُ دَمُ مُسْلِمٍ قَالَ وَهَكَذَا الْحَدِيثُ قُلْنَا أَفَلِلْحَاكِمِ الْيَوْمَ أَنْ يَرْفَعَ قَوْمًا مِنْ مَسِيرَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَعِنْدَهُمْ حَاكِمٌ يَجُوزُ حُكْمُهُ؟ قَالَ لاَ وَلاَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلاَثٍ قُلْنَا فَقَدْ رَفَعَهُمْ عُمَرُ مِنْ مَسِيرَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَعِنْدَهُمْ حُكَّامٌ تَجُوزُ أَحْكَامُهُمْ هُمْ أَقْرَبُ إلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ قُلْنَا أَفَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى الْحَاكِمِ يُخْرِجُ خَمْسِينَ رَجُلاً, أَوْ إنَّمَا ذَلِكَ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ يَخْتَارُ مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلاً؟ قَالَ, بَلْ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ قُلْنَا فَعُمَرُ إنَّمَا كَتَبَ إلَى الْحَاكِمِ بِرَفْعِ خَمْسِينَ فَرَفَعَهُمْ زَعَمْت وَلَمْ يَجْعَلْ رَفْعَهُمْ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَخَيُّرِهِمْ فَيَرْفَعهُمْ الْحَاكِمُ بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ قُلْنَا, أَوْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُحَلِّفَهُمْ فِي الْحِجْرِ؟ قَالَ لاَ وَيُحَلِّفُهُمْ حَيْثُ يَحْكُمُ قُلْنَا فَعُمَرُ لاَ يَحْكُمُ فِي الْحِجْرِ, وَقَدْ أَحَلَفَهُمْ فِيهِ قُلْنَا, أَوْ لِلْحَاكِمِ لَوْ لَمْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقْتُلَهُمْ؟ قَالَ لاَ قُلْنَا فَعُمَرُ يُخْبِرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا حَقَنُوا دِمَاءَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْتُلُهُمْ لَوْ لَمْ يَحْلِفُوا فَهَذِهِ أَحْكَامٌ أَرْبَعَةٌ تُخَالِفُ فِيهَا عُمَرُ لاَ مُخَالِفَ لِعُمَرَ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ عَلِمْته خَالَفَهُ فِيهَا وَتُقْبَلُ عَنْهُ حُكْمًا يُخَالِفُ بَعْضَ حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَسَامَةِ; لِأَنَّ: {رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْ عَلَى يَهُودَ دِيَةً, وَقَدْ وُجِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ بَيْنَهُمْ} أَفَتَأْخُذُ بِبَعْضِ مَا رَوَيْت عَنْ عُمَرَ وَلَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفٌ وَتَتْرُكُ مَا رَوَيْت عَنْهُ مِمَّا لاَ مُخَالِفَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ. فَأَيُّ جَهْلٍ أَبْيَنُ مِنْ قَوْلِك هَذَا؟ قَالَ أَفَثَابِتٌ هُوَ عِنْدَك؟ قُلْت لاَ إنَّمَا رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ, وَالْحَارِثُ الْأَعْوَرُ مَجْهُولٌ وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ أَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا قَالَ أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَإِذَا قَالَ أَفَتُبَرِّئُكُمْ لاَ يَكُونُ عَلَيْهِمْ غَرَامَةٌ وَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ الْأَنْصَارِيُّونَ أَيْمَانَهُمْ وَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى الْيَهُودِ, وَالْقَتِيلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ شَيْئًا وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ, ثُمَّ رَدُّوا الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعِينَ وَهَذَانِ جَمِيعًا يُخَالِفَانِ مَا رَوَيْتُمْ عَنْهُ وَقُلْت لَهُ إذْ زَعَمْت أَنَّ الْكِتَابَ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يُقْبَلَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَأَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يُعْطَى أَحَدٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَمَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ مَا وَلَدْت هَذَا الْوَلَدَ مِنِّي وَإِنَّمَا استعرتيه لِيَلْحَقَ بِي نَسَبُهُ؟ قَالَ إنْ جَاءَتْ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ أَلْحَقْته بِهِ إلَّا أَنْ يُلاَعِنَهَا قُلْت: وَكَذَلِكَ عُيُوبُ النِّسَاءِ, وَالْوِلاَدِ تُجِيزُ فِيهِ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَعَمَّنْ رَوَيْت هَذَا الْقَوْلَ؟ قَالَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه بَعْضُهُ; قُلْت أَفْيَدُ لَك هَذَا عَلَى أَنَّ مَا زَعَمْت مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يُقْبَلَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَالسُّنَّةُ لَيْسَ كَمَا ادَّعَيْت؟ قَالَ نَعَمْ, وَقَدْ أَعْطَيْتُك هَذَا قَبْلَ هَذَا فِي الْقَسَامَةِ وَلَكِنْ فِي هَذَا عِلَّةٌ أُخْرَى قُلْت وَمَا هِيَ؟ قَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا وَضَعَ حُدُودَهُ عَلَى مَا يَحِلُّ فَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ عَمَدَا أَنْ يَنْظُرَا إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ تَلِدُ لِيَشْهَدَا لَهَا بِذَلِكَ كَانَا بِذَلِكَ فَاسِقَيْنِ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا. قُلْت فَهَلْ فِي الْقُرْآنِ اسْتِثْنَاءٌ إلَّا مَا لاَ يَرَاهُ الرِّجَالُ قَالَ لاَ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت فِي أَصْلِ قَوْلِك الْقُرْآنَ, قُلْت أَفَرَأَيْت شُهُودَ الزِّنَا إذَا كَانُوا يُدِيمُونَ النَّظَرَ وَيَرْصُدُونَ الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ يَزْنِيَانِ حَتَّى يُثْبِتُوا ذَلِكَ يَدْخُلُ مِنْهُ دُخُولَ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَيَرَوْنَ الْفَرْجَ وَالدُّبُرَ, وَالْفَخِذَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهِمَا إلَى مَا لاَ يَحِلُّ لَهُمْ نَظَرُهُ أَمْ إلَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ قَالَ, بَلْ إلَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ. قُلْت فَكَيْفَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمْ؟ قَالَ أَجَازَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قُلْت فَإِنْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ نَظَرَ إلَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ إنَّمَا نَظَرَ لِيَشْهَدَ لاَ لِيَفْسُقَ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّك تَرُدُّ شَهَادَةَ مَنْ نَظَرَ إلَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِيَشْهَدَ وَفَسَّقْته قَالَ مَا أَرُدُّهَا. قُلْت: قَدْ زَعَمْت ذَلِكَ أَوَّلاً فَانْظُرْ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ صَالِحَةٌ عِنْدَ فَاسِقٍ فَقَالَتْ هُوَ يُنْكِرُ وَلَدِي فَيُقَلِّدُنِي وَوَلَدِي عَارًا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لاَ يُجِيزَانِ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَأَجْلِسْ شَاهِدَيْنِ, أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ مِنْ خَلْفِ الْبَابِ وَالنِّسَاءُ مَعِي فَإِذَا خَرَجَ رَأْسُ وَلَدِي كَشَفْنَنِي لِيَرَوْا خُرُوجَهُ مِنِّي فَيَلْحَقُ بِأَبِيهِ فَهَذَا نَظَرٌ لِنُثْبِتَ بِهِ شَهَادَةً لِي وَلِلْمَوْلُودِ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَأَنْتَ تُشَدِّدُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ وَلَيْسَ هَذَا بِنَظَرٍ يَتَلَذَّذُ بِهِ الشَّاهِدَانِ, بَلْ هُوَ نَظَرٌ يَقْذُرَانِهِ وَنَظَرُ شُهُودِ الزِّنَا يَجْمَعُ أَمْرَيْنِ أَنَّهُ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِمَا إلَى وِلاَدَتِي وَأَعَمُّ لِعَامَّةِ الْبَدَنِ وَأَنَّهُ نَظَرُ لَذَّةٍ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ وَيَدْعُو إلَيْهَا, فَأَجِزْ هَؤُلاَءِ كَمَا أَجَزْت شَهَادَةَ شُهُودِ الزِّنَا وَارْدُدْ شَهَادَةَ شُهُودِ الزِّنَا فَهُمْ أَوْلَى أَنْ يُرَدُّوا إذَا كَانَ ذَلِكَ يَجُوزُ لِقَوْلِك إنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَهُوَ بِذَلِكَ فَاسِقٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ حَدًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتَ تَدْرَأُ حَدَّ اللَّهِ بِالشُّبُهَاتِ وَتَأْمُرُ بِالسِّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ, قَالَ لاَ أَرُدُّ هَؤُلاَءِ لَوْ شَهِدُوا وَلاَ أُكَلِّفُك هَذَا. قُلْت فَقَدْ خَالَفْت مَا قُلْت أَوَّلاً مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ, أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَمِمَّا ادَّعَيْت فِي السُّنَّةِ وَمَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَشْهَدُوا فِيهِ, وَقُلْت أَرَأَيْت اسْتِهْلاَلَ الْمَوْلُودِ, لَمْ تُقْبَلْ عَلَيْهِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَالرِّجَالُ يَرَوْنَهُ قَالَ قَبِلْتهَا عَلَى مَا قُلْت أَوَّلاً قُلْت: أَفَلاَ تَدَعُ ذَلِكَ بِمَا ادَّعَيْت فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟ قَالَ لاَ يُخَالِفُ الْكِتَابَ. قُلْت فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِهَذَا وَبِالْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ خَاصٌّ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْت لاَ تَحْتَجَّ بِأَنَّهُ عَامٌّ مَرَّةً وَتَقُولُ أُخْرَى هُوَ خَاصٌّ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت الرَّجُلَ, وَالْمَرْأَةَ يَتَدَاعَيَانِ مَتَاعَ الْبَيْتِ لِمَ لَمْ تَحْكُمْ فِيهِ بِأَنْ تَجْعَلَهُ لِلَّذِي لَهُ الْبَيْتُ, أَوْ لِلْمَرْأَةِ; لِأَنَّهَا أَلْزَمُ لِلْبَيْتِ وَتَجْعَلُ الزَّوْجَ مُدَّعِيًا, أَوْ الْمَرْأَةَ وَتُكَلِّفُ أَيَّهمَا جَعَلْت مُدَّعِيًا الْبَيِّنَةَ, أَوْ تَجْعَلُهُ فِي أَيْدِيهِمَا فَتُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمَا وَبِهَذَا نَقُولُ نَحْنُ فَنُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمَا وَأَنْتَ تُخَالِفُ هَذَا فَتُعْطِيهَا عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلاَ مَعْنَى لِكَيْنُونَةِ الشَّيْءِ فِي أَيْدِيهِمَا فَتَجْعَلُ مَتَاعَ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ وَمَتَاعَ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا مَعًا بَيْنَهُمَا, وَقَدْ يَمْلِكُ الرَّجُلُ مَتَاعَ النِّسَاءِ, وَالْمَرْأَةُ مَتَاعَ الرِّجَالِ, أَوْ أَوَرَأَيْت الرَّجُلَيْنِ يَتَدَاعَيَانِ الْجِدَارَ مَعًا لِمَ لَمْ تَجْعَلْهُ بَيْنَهُمَا؟. وَكَذَلِكَ نَقُولُ نَحْنُ وَلِمَ جَعَلْته لِمَنْ يَلِيه مُعَاقَدُ الْقِمْط وَأَنْصَافُ اللَّبَن؟ فَتَقُولُ هَذَا كَالدَّلاَلَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ يَلِيه مُعَاقِدُ الْقِمْطِ وَأَنْصَافُ اللَّبَنِ مَالِكٌ لِلْجِدَارِ, وَقَدْ يَبْنِي الرَّجُلُ الْجِدَارَ بِنَاءً مُخْتَلِفًا, وَقَدْ يَكُونَانِ اقْتَسَمَا الْمَنْزِلَ فَلَمْ يَعْتَدِلْ الْقَسْمُ إلَّا بِأَنْ يَجْعَلاَ هَذَا الْجِدَارَ لِمَنْ لَيْسَ إلَيْهِ مُعَاقِدُ الْقِمْطِ وَأَنْصَافُ اللَّبَنِ؟ وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا اشْتَرَاهُ هَكَذَا, أَوْ رَأَيْت الرَّجُلَ يَتَكَارَى مِنْ رَجُلٍ بَيْتًا فَيَخْتَلِفَانِ فِي رِفَافِ الْبَيْتِ وَالرِّفَافُ بِنَاءٌ فَلِمَ لَمْ تَجْعَلْ الْبِنَاءَ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ؟. وَكَذَلِكَ نَقُولُ زَعَمْت أَنْتَ أَنَّ الرِّفَافَ إنْ كَانَتْ ثَابِتَةً فِي الْجِدَارِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَتْ مُلْتَصِقَةً فَهِيَ لِلسَّاكِنِ, وَقَدْ يَبْنِي صَاحِبُ الْبَيْتِ رِفَافًا مُلْتَصِقَةً وَيَبْنِي السَّاكِنُ رِفَافًا فَيَحْفِرُ لَهَا فِي الْجِدَارِ فَتَصِيرُ فِيهِ ثَابِتَةً وَأَعْطَيْت فِي هَذَا كُلِّهِ بِلاَ بَيِّنَةٍ وَاسْتَعْمَلْت فِيهِ أَضْعَفَ الدَّلاَلَةِ وَلَمْ تَعْتَمِدْ فِيهِ عَلَى أَثَرٍ ثَابِتٍ وَلاَ إجْمَاعٍ مِنْ النَّاسِ, ثُمَّ لَمْ تَنْسِبْ نَفْسَك إلَى خِلاَفِ كِتَابِ اللَّهِ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ قِيَاسٍ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} مُحَرَّمًا أَنْ يُعْطِي أَحَدٌ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا فَقَدْ أَعْطَيْته بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا وَخَالَفْته بِلاَ عُذْرٍ وَخَالَفْت مَا ادَّعَيْت مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنْ لاَ يُعْطَى أَحَدٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا هَذَا كَافٍ مِنْهُ وَمُبَيَّنٌ عَلَيْك تَرْكُك قَوْلَك فِيهِ قَالَ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَا جَاءَكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى الْقُرْآنِ فَإِنْ وَافَقَهُ, فَأَنَا قُلْته وَإِنْ خَالَفَهُ فَلَمْ أَقُلْهُ} فَقُلْت لَهُ فَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا خِلاَفُ هَذَا وَلَيْسَ يُعْرَفُ مَا أَرَادَ خَاصًّا وَعَامًّا وَفَرْضًا وَأَدَبًا وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا إلَّا بِسُنَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فَيَكُونُ الْكِتَابُ بِحُكْمِ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةُ تُبَيِّنُهُ قَالَ وَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْت قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الرَّسُولَ قَدْ يُسِنُّ وَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ طَاعَتَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيه الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا نَهَيْت عَنْهُ, أَوْ أَمَرْت بِهِ فَيَقُولُ مَا نَدْرِي مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَقُلْت لَهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَجْت بِهِ ثَابِتًا كُنْت قَدْ تَرَكْته فِيمَا وَصَفْنَا وَفِيمَا سَنَصِفُ بَعْضَ مَا يَحْضُرُنَا مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يُخَالِفُنَا فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ أَقَلَّ مِنْ هَذَا؟ فَقُلْت لَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي التَّنْزِيلِ أَنْ لاَ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ, وَكَانَ التَّنْزِيلُ مُحْتَمِلاً أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ تَامَّيْنِ فِي غَيْرِ الزِّنَا وَيُؤْخَذُ بِهِمَا الْحَقُّ لِطَالِبِهِ وَلاَ يَمِينَ عَلَيْهِ, ثُمَّ وَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِيزُ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ وَوَجَدْت الْمُسْلِمِينَ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَيُعْطُونَ بِهَا دَلَّتْ السُّنَّةُ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ,: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} لَيْسَ مُحَرَّمًا أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ, وَنَحْنُ نَسْأَلُك فَإِنْ قُلْت بِمِثْلِ قَوْلِنَا لَزِمَك أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَإِنْ خَالَفْته لَزِمَك أَنْ تَتْرُكَ عَامَّةَ قَوْلِك وَإِنْ تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مَا قُلْت مِنْ هَذَا وَنَجَلْتنَا عَلَى غَيْرِ مَا قُلْت وَأَنَّك أَوْلَى بِمَا نَجَلْتنَا مِنْ الْخَطَإِ فِي الْقُرْآنِ مِنَّا قَالَ فَسَلْ, فَقُلْت حُدَّ لِي كُلَّ حُكْمٍ فِي: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} قَالَ أَنْ يَجُوزَ فَيُؤْخَذُ بِهِ الْحَقُّ بِغَيْرِ يَمِينٍ مِنْ الطَّالِبِ قُلْت وَمَاذَا قَالَ وَفِيهِ تَحْرِيمٌ أَنْ يُؤْخَذَ الْحَقُّ بِأَقَلَّ مِنْهُ؟ قُلْت وَمَا الشَّاهِدَانِ مِنْ رِجَالِنَا؟ قَالَ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ عَدْلاَنِ قُلْت لَهُ فَالِاثْنَانِ ذَوَيْ عَدْلٍ كَمَا وَصَفْت يَجُوزَانِ وَمُحَرَّمٌ أَنْ يَجُوز إلَّا مَا زَعَمْت وَوَصَفْت أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الْكِتَابِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَلِمَ أَجَزْت أَهْلَ الذِّمَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ. وَالْآيَتَانِ بَيِّنَتَانِ أَنَّهُمَا فِي الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا قُلْت فِي الْأَحْرَارِ الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً بِتَأَوُّلٍ وَنَحْنُ بِالْآيَتَيْنِ لاَ نُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا فَقَالَ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَقَالَ: الْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتُمْ وَأَقَامَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى إجَازَتِهَا فَقُلْت لَهُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ فِيمَا ادَّعَيْتُمْ فِي الْآيَتَيْنِ إلَّا إجَازَةُ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ كُنْتُمْ مَحْجُوجِينَ لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَتَأَوَّلُوا عَلَى أَحَدٍ مَا قُلْتُمْ; لِأَنَّكُمْ خَالَفْتُمُوهُ وَكُنْتُمْ أَوْلَى بِخِلاَفِ ظَاهِرِ مَا تَأَوَّلْتُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ. قَالَ فَإِنَّمَا أَجَزْنَا شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِآيَةٍ أُخْرَى, قُلْنَا وَمَا هِيَ؟ قَالَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ, أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} فَقُلْت لَهُ: أَنَاسِخَةٌ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَك لِ: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}, أَوْ مَنْسُوخَةٌ بِهَا؟ قَالَ لَيْسَتْ بِنَاسِخَةٍ وَلاَ مَنْسُوخَةٍ, وَلَكِنْ كُلٌّ فِيمَا نَزَلَ فِيهِ: قُلْت فَقَوْلُك إذًا لاَ يَجُوزُ إلَّا الْأَحْرَارُ الْمُسْلِمُونَ لَيْسَ كَمَا قُلْت, قَالَ فَأَنْتَ تَقُولُ بِهَذَا؟ قُلْت: لَسْت أَقُولُ بِهِ, بَلْ سَمِعْت مَنْ أَرْضَى يَقُولُ فِيهِ غَيْرَ مَا قُلْت, قَالَ فَإِنَّا نَقُولُ هِيَ فِي الْمُشْرِكِينَ فَقُلْت فَقُلْ هِيَ فِي جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهِمْ; لِأَنَّ كُلَّهُمْ مُشْرِكٌ وَأُجِزْ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ, قَالَ: لاَ قُلْت, فَمَنْ قَالَ هِيَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً. أَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ أُجِيزَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ; لِأَنَّ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَمْ يُبَدِّلُوا كِتَابًا إنَّمَا وَجَدُوا آبَاءَهُمْ عَلَى ضَلاَلٍ فَتَبِعُوهُمْ وَأَهْلُ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَتَبُوا الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ وَقَالُوا هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. فَلَمَّا بَانَ لَنَا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ عَمَدُوا الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ جَائِزَةً, فَأَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ كَذَبَةٌ وَإِذْ كُنَّا نُبْطِلُ الشَّهَادَةَ بِالْكَذِبِ عَلَى الْآدَمِيِّينَ كَانُوا هُمْ أَوْلَى فَإِذَا تَقُولُ لَهُ مَا أَعْلَمُهُ إلَّا أَحْسَنَ مَذْهَبًا وَأَقْوَى حُجَّةً مِنْك, قُلْت لَهُ أَفَتُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى وَصِيَّةِ مُسْلِمً الْيَوْم كَمَا زَعَمْت أَنَّهَا فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لاَ قُلْت وَلِمَ قَالَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ قُلْت بِمَاذَا قَالَ بِقَوْلِهِ: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} قُلْت وَمَا نُسِخَ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ وَعُمِلَ بِاَلَّذِي نَسَخَهُ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَقَدْ زَعَمْت بِلِسَانِك أَنَّك خَالَفْت الْقُرْآنَ إذْ زَعَمْت أَنَّ اللَّهَ شَرَطَ أَنْ لاَ يَجُوزَ إلَّا مُسْلِمٌ وَأَجَزْت كَافِرًا, وَإِذَا نُسِخَتْ فِيمَا زَعَمْت أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ أَفَتَثْبُت فِي غَيْرِ مَا نَزَلَتْ فِيهِ؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَمَا الْحُجَّةُ فِي إجَازَةِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ إنَّ شُرَيْحًا أَجَازَهَا فَقُلْت لَهُ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}, أَوْ: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ, ثُمَّ تُخَالِفُ هَذَا. قَالَ فَإِنَّ شُرَيْحًا أَعْلَمُ مِنِّي: قُلْت فَلاَ تَقُلْ هِيَ مَنْسُوخَةٌ إذَا قَالَ فَهَلْ يُخَالِفُ شُرَيْحًا غَيْرُهُ؟ قُلْت: نَعَمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرهمَا وَفِي كِتَابِ اللَّهِ الْحُجَّةُ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْ هَذَا وَقُلْت لَهُ تُخَالِفُ أَنْتَ شُرَيْحًا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلاَ لَهُ فِيهِ مُخَالِفٌ مِثْلُهُ قَالَ إنِّي لاََفْعَلُ قُلْت لَهُ وَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَعَلَى مَا لَهُ فِيهِ مُخَالِفٌ وَأَنْتَ تَدَعُ قَوْلَهُ لِرَأْيِ نَفْسِك؟ فَقَالَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمْ لِلرِّفْقِ بِهِمْ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُقُوقُهُمْ إنْ لَمْ نُجِزْ شَهَادَتَهُمْ بَيْنَهُمْ. فَقُلْت لَهُ نَحْنُ لَمْ نُبْطِلْ حُقُوقَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَهُمْ حُكَّامٌ لَمْ يَزَالُوا يَتَرَاضَوْنَ بِهِمْ لاَ نَدْخُلُ فِي أَمْرِهِمْ فَإِنْ أَرَادُوا دُخُولَنَا فِي أَحْكَامِهِمْ لَمْ نَدْخُلْ إلَّا بِمَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ إجَازَةِ شَهَادَةِ مَنْ أَمَّرْنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت بِالرِّفْقِ بِهِمْ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُقُوقُهُمْ فَالرِّفْقُ بِالْمُسْلِمِينَ يُلْتَعَنُ, أَوْ الرِّفْقُ بِهِمْ؟ (قَالَ): بَلْ الرِّفْقُ بِالْمُسْلِمِينَ. قُلْت لَهُ: مَا تَقُولُ فِي عَبِيدٍ عُدُولٍ مَأْمُونِينَ كَانُوا بِمَوْضِعٍ فِي صِنَاعَةٍ, أَوْ عَلَى حِفْظِ مَالٍ فَشَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي دَمٍ, أَوْ مَالٍ؟ قَالَ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قُلْت: فَمَا تَقُولُ فِي أَهْلِ الْبَحْرِ, وَالْأَعْرَابِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ إذَا لَمْ نَجِدْ مَنْ يَعْدِلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَشَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي دَمٍ, أَوْ مَالٍ؟ قَالَ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قُلْت فَإِذَا لَمْ تُجِزْهَا بَطَلَتْ حُقُوقُهُمْ بَيْنَهُمْ (قَالَ): وَإِنْ بَطَلَتْ, فَأَنَا لَمْ أُبْطِلْهَا وَإِنَّمَا أَمَرْت بِأَخْذِ الْحَقِّ بِالْعُدُولِ الْأَحْرَارِ فَإِذَا كَانُوا عُدُولاً غَيْرَ أَحْرَارٍ فَقَدْ نَقَصُوا أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ, أَوْ كَانُوا أَحْرَارًا لاَ يُعْرَفُ عَدْلُهُمْ فَقَدْ نَقَصُوا أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ قُلْت وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ مُؤْمِنِينَ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْت فَقَدْ نَقَصَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَعْظَمَ الشُّرُوطِ الْإِيمَانُ وَأَجَزْت شَهَادَتَهُمْ وَنَقَصَ الْعَبِيدُ, وَالْأَحْرَارُ أَقَلَّ الشُّرُوطِ فَرَدَدْت شَهَادَتَهُمْ وَفِيهِمْ شَرْطَانِ وَلِمَ إذَا اعْتَلَلْت بِالرِّفْقِ بِهِمْ لَمْ تَرْفُقْ بِالْمُسْلِمِينَ فَتُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَالْعَبِيدُ الْعُدُولُ لَوْ عَتَقَ أَحَدُهُمْ الْيَوْمَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَوْ أَسْلَمُوا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ حَتَّى نَخْتَبِرَ إسْلاَمَهُمْ بَعْدَ مُدَّةٍ تَطُولُ, وَالْمُسْلِمُونَ أَوْلَى بِأَنْ نَرْفُقَ بِهِمْ وَنَحْتَاطَ لَهُمْ فِي أَنْ لاَ نُبْطِلَ حُقُوقَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا. وَقُلْت: أَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ} أَلَيْسَ بَيَّنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ فَرَضَ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ, أَوْ مَسْحَهُمَا؟ قَالَ بَلَى: قُلْت لِمَ مَسَحْت عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ إلَى الْيَوْمِ مَنْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَيُعَنِّفُ مَنْ مَسَحَ؟ قَالَ لَيْسَ فِي رَدِّ مَنْ رَدَّهُ حُجَّةٌ, وَإِذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ لَمْ يَضُرَّهُ مَنْ خَالَفَهُ. وَقُلْت وَنَعْمَلُ بِهِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا نَعْمَلُ بِهِ لَوْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَلاَ نَعْرِضُهُ عَلَى الْقُرْآنِ؟ قَالَ لاَ, بَلْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلْنَا فَلِمَ لاَ تَقُولُ بِهَذَا فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تُخَالِفُ فِيهِ الْحَدِيثَ وَتُرِيدُ إبْطَالَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ بِالتَّأْوِيلِ وَبِأَنْ تَقُولَ الْحَدِيثُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَقُلْت لَهُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وَقَالَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ بِمِثْلِ مَعْنَى قَوْلِك فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ يُقْطَعُ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ قَلَّتْ سَرِقَتُهُ, أَوْ كَثُرَتْ وَيُجْلَدُ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الزِّنَا مَمْلُوكًا كَانَ, أَوْ حُرًّا مُحْصَنًا, أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَزَعَمْت أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه جَلَدَ الزَّانِي وَرَجَمَهُ فَلِمَ رَغِبْت عَنْ هَذَا؟ قَالَ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يُقْطَعُ إلَّا مَنْ سَرِقَ مِنْ حِرْزٍ وَمَنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ شَيْئًا مُوَقَّتًا دُونَ غَيْرِهِ وَرَجَمَ مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ قُلْت لَهُ: وَهَلْ جَاءَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِحَدِيثٍ كَحَدِيثِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَمَا اسْتَطَاعَ دَفْعَ ذَلِكَ وَذَكَرْت لَهُ أَمْرَ الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا وَمَا وَرَّثَ اللَّهُ الْوَلَدَ, وَالْوَالِدَ, وَالْإِخْوَةَ, وَالْأَخَوَاتِ وَالزَّوْجَةَ وَالزَّوْجَ. فَقُلْت لَهُ: فَلِمَ قُلْت إذَا كَانَ الْأَبُ كَافِرًا, أَوْ مَمْلُوكًا, أَوْ قَاتِلاً عَمْدًا, أَوْ خَطَأً لَمْ يَرِثْ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ قَالَ: جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ} قُلْت فَهَلْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَلاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ كَمَا لاَ تَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا فَلِمَ لَمْ تَقُلْ بِهِ؟ قَالَ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قُلْنَا وَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ: هَؤُلاَءِ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بَعْضَ الْكَافِرِينَ دُونَ بَعْضٍ قَالَ مَخْرَجُ الْقَوْلِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامٌّ فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ وَلاَ نَزْعُمُ أَنَّ وَجْهًا لِتَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ غَيْرِهِ, ثُمَّ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمُفَسَّرِ, وَقَدْ يَكُونُ لَمْ يَسْمَعْهُ. قُلْنَا هَذَا كَمَا قُلْت الْآنَ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه قُلْنَا فَقَدْ قُلْنَا لَك إنْ احْتَجَّ عَلَيْك بِقَوْلِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ فَقُلْت لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَلَيْسَتْ فِي حُجَّتِك بِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ فَقَدْ خَالَفْتهَا مَعَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْكُمْ وَقُلْت لَهُ حَدِيثُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَثْبَت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ: {لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ} فَثَبَتّه وَرَدَدْت قَضَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْهُ. وَقُلْت لَهُ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لاَ يَرِثُ قَاتِلٌ مِنْ قَتْلٍ} حَدِيثٌ يَرْوِيه عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ مُرْسَلاً وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبَ يَرْوِي مُسْنَدًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {يَرِثُ قَاتِلُ الْخَطَإِ مِنْ الْمَالِ وَلاَ يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ وَلاَ يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ مِنْ مَالٍ وَلاَ دِيَةٍ} وَتَرُدُّ حَدِيثَهُ وَتُضَعِّفُهُ, ثُمَّ نَحْتَجُّ مِنْ حَدِيثِهِ بِأَضْعَفَ مِمَّا احْتَجَجْت بِهِ وَقُلْت لَهُ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}, وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَحْجُبُهَا عَنْ الثُّلُثِ إلَّا بِثَلاَثَةِ إخْوَةٍ وَهَذَا الظَّاهِرُ وَحَجَبْتهَا بِأَخَوَيْنِ وَخَالَفْت ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما وَمَعَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ (قَالَ): قَالَهُ عُثْمَانُ رضي الله تعالى عنه وَقَالَ تَوَارَثَ عَلَيْهِ النَّاسُ قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ: لَك فَاتْرُكْ مَا تَوَارَثُوا عَلَيْهِ إلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ (قَالَ): فَقَالَ عُثْمَانُ أَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ مِنَّا وَقُلْنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَعْلَمُ مِنَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يُخَالِفُنَا فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَوَارِيثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ فَلَمْ تَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي أَنَّ الْمَوَارِيثَ لاَ تَكُونُ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى الْمَالِ كُلِّهِ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَنَا وَلَك قَائِلٌ الْوَصِيَّةُ مَذْكُورَةٌ مَعَ الدَّيْنِ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْمِيرَاثَ يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ شَيْءٌ مِنْ جَمِيعِ الْوَصِيَّةِ وَاقْتَصَرْت بِهَا عَلَى الثُّلُثِ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ مَذْكُورَةً بِغَيْرِ تَوْقِيتٍ فَإِنَّ اسْمَ الْوَصِيَّةِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ, وَالْكَثِيرِ فَلَمَّا احْتَمَلَتْ الْآيَةُ أَنْ يَكُونَ يُرَادُ بِهَا خَاصٌّ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهَا عَامًّا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى مَا أُرِيدَ بِالْوَصِيَّةِ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيَّنِ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ مَا لَهُ جَوَابٌ إلَّا هَذَا قُلْت: فَإِنْ قَالَ لَنَا وَلَك قَائِلٌ مَا الْخَبَرُ الَّذِي دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: {قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ} قُلْنَا فَإِنْ قَالَ لَك هَذِهِ مَشُورَةٌ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ وَلاَ أَمَرَ أَنْ لاَ يَتَعَدَّى الثُّلُثَ, وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْخُمُسُ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ لاَ تَعْدُو الْخُمُسَ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ قَالَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: {أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ, فَأَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ, فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً} قُلْنَا فَقَالَ لَك فَدَلَّك هَذَا عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ وَصِيَّةٌ وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَرْجُوعَةٌ إلَى الثُّلُثِ قَالَ نَعَمْ أَبْيَنُ الدَّلاَلَةِ قُلْنَا فَقَالَ لَك أَفَثَابِتٌ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَلَّك عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خَاصٍّ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْنَا فَقَالَ لَك نُوهِيه بِأَنَّ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ كَمَخْرَجِ الدَّيْنِ, وَقَدْ قُلْت فِي الدَّيْنِ عَامٌّ, قَالَ لاَ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْكِتَابِ, قُلْت فَأَيُّ حُجَّةٍ عَلَى أَحَدٍ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَزْعُمُ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّالَّةَ عَلَى مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ أَنْ أَقْرَعَ بَيْنَ مَمَالِيكَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَعْتَقَهُمْ سِتًّا, فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً, ثُمَّ خَالَفْت مَا زَعَمْت أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيَّنَةٌ فَرْقٌ بِهَا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ وَمَخْرَجُ الْكَلاَمِ فِيهِمَا وَاحِدٌ فَزَعَمْت أَنَّ هَؤُلاَءِ الرَّقِيقَ كُلَّهُمْ يُعْتَقُونَ وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ, قَالَ إنِّي إنَّمَا قُلْته لِأَنَّ: {النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي عَبْدٍ أُعْتِقَ أَنْ يُعْتَقَ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ}, قُلْنَا هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ ثَابِتٍ, وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ, قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت: أَرَأَيْت الْمُعْتِقَ سِتَّةً أَلَيْسَ مُعْتِقَ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ, فَأَنْفَذَ مَالَهُ وَرَدَّ مَالَ غَيْرِهِ قَالَ بَلَى, قُلْت: فَكَانَتْ السِّتَّةُ يَتَجَزَّءُونَ, وَالْحَقُّ فِيمَا يَتَجَزَّأُ إذَا اُشْتُرِكَ فِيهِ قُسِّمَ فَأُعْطِيَ كُلُّ مَنْ لَهُ حَقٌّ نَصِيبَهُ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَإِذَا كَانَ فِيمَا لاَ يَتَجَزَّأُ لَمْ يُقَسَّمْ مِثْلِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالسَّيْفِ, قَالَ نَعَمْ. قُلْت: فَالْعَبِيدُ يَتَجَزَّءُونَ فَجَزَّأَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَتَرُدُّ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَبَرٍ لاَ يُخَالِفُهُ فِي كُلِّ حَالٍ أَمْ تُمْضِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا جَاءَ؟ قَالَ, بَلْ أُمْضِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا جَاءَ. قُلْت: فَلِمَ لَمْ تَفْعَلْ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حِينَ رَدَدْته عَلَى مَا يُخَالِفُهُ; لِأَنَّ مَا يَتَجَزَّأُ يُخَالِفُ فِي الْحُكْمِ مَا لاَ يَتَجَزَّأُ, وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَا مُخْتَلِفَيْنِ فَنَطْرَحُ أَحَدَهُمَا لِلْآخَرِ طَرْحَ الضَّعِيفِ لِلْقَوِيِّ وَحَدِيثُ الِاسْتِسْعَاءِ ضَعِيفٌ, وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْقُرْعَةِ مَنْسُوخًا, أَوْ غَيْرَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ لَنَا وَلَك فِي الِاقْتِصَارِ بِالْوَصَايَا عَلَى الثُّلُثِ حُجَّةٌ وَلاَ عَلَى قَوْمٍ خَالَفُوهُ فِي مَعْنًى آخَرَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَمَا قَالُوا؟ قُلْنَا: قَالُوا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} وَقَالَ فِي جَمِيعِ الْمَوَارِيثِ مِثْلَ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّمَا مَلَّكَ اللَّهُ الْأَحْيَاءَ مَا كَانَ يُمَلِّكُ غَيْرَهُمْ بِالْمِيرَاثِ بَعْدَ مَوْتِ غَيْرِهِمْ, فَأَمَّا مَا كَانَ مَالِكُ الْمَالِ حَيًّا فَهُوَ مَالِكُ مَالِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَرِيضًا, أَوْ صَحِيحًا; لِأَنَّهُ لاَ يَخْلُو مَالٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالِكٌ وَهَذَا مَالِكٌ لاَ غَيْرُهُ فَإِذَا أَعْتَقَ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُ, أَوْ وَهَبَ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُ عِتْقَ بَتَاتٍ, أَوْ هِبَةَ بَتَاتٍ جَازَ الْعِتْقُ, وَالْهِبَةُ وَإِنْ مَاتَ; لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ الَّتِي أَعْتَقَ فِيهَا وَوَهَبَ مَالِكٌ قَالَ لَيْسَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الثُّلُثُ, قُلْنَا فَقَالَ لَك مَا دَلَّك عَلَى هَذَا؟ قَالَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي: {رَجُلٍ أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ, فَأَقْرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ, فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً}, قُلْنَا فَإِنْ قَالَ لَك إنْ كَانَ الْحَدِيثُ مُعَارَضًا بِخِلاَفِهِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْحَدِيثِ عِنْدَك إلَّا أَنْ يَكُون ضَعِيفًا بِالْمُعَارِضِ لَهُ وَمَا كَانَ ضَعِيفًا عِنْدَك مِنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ مَتْرُوكٌ; لِأَنَّ الشَّاهِدَ إذَا ضَعُفَ فِي الشَّهَادَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ الَّتِي ضَعُفَ فِيهَا, وَكَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى مَنْ لَمْ يَشْهَدُوا الْحَدِيثَ عِنْدَك فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى, أَوْ يَكُونُ مَنْسُوخًا فَالْمَنْسُوخُ كَمَا لَمْ يَكُنْ قَالَ مَا هُوَ بِضَعِيفٍ وَلاَ مَنْسُوخٍ قُلْنَا فَإِنْ قَالَ لَك فَكَيْفَ جَازَ لَك تَرْكُهُ فِي نَفْسِ مَا حَكَمَ بِهِ فِيهِ وَلاَ يَجُوزُ لَك تَرْكُهُ كُلِّهِ؟ قَالَ مَا تَرَكْته كُلَّهُ, قُلْنَا فَقَالَ هُوَ لَفْظٌ وَاحِدٌ وَحُكْمٌ وَاحِدٌ وَتَرْكُك بَعْضَهُ كَتَرْكِك كُلَّهُ مَعَ أَنَّك تَرَكْت جَمِيعَ ظَاهِرِ مَعَانِيه وَأَخَذْت بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِدَلاَلَةٍ, أَوْ رَأَيْت لَوْ جَازَ لَك أَنْ تُبَعِّضَهُ فَتَأْخُذَ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَتَتْرُكَ شَيْئًا, وَأَخَذَ رَجُلٌ بِالْقُرْعَةِ الَّتِي تَرَكْت وَتَرَكَ أَنْ يَرُدَّ مَا صَنَعَ الْمَرِيضُ فِي مَالِهِ إلَى الثُّلُثِ بِالْحُجَّةِ الَّتِي وَصَفْت أَمَا كَانَ هَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ إلَى شُبْهَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ, وَالْقِيَاسِ مِنْك قَالَ: وَأَيْنَ الْقِيَاسُ قُلْت: أَنْتَ تَقُولُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ فِي مَالِهِ, وَلَوْ أَحَاطَ بِمَالِهِ جَازَ وَمَا أُتْلِفَ مِنْ مَالِهِ بِعِتْقٍ, أَوْ غَيْرِهِ, ثُمَّ صَحَّ لَمْ يُرَدَّ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ وَهُوَ مَالِكٌ, وَلَوْ أَتْلَفَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ بِهِ, وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت حِينَ: {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك} وَأَذِنَ بِالسَّلَفِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَلَيْسَ هُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك؟ قَالَ بَلَى, قُلْت: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَذَانِ مُخْتَلِفَانِ عِنْدَك؟ قَالَ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْجُمْلَةِ وَوَجَدْت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَخْرَجًا ثَبَتَّهُمَا جَمِيعًا, وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَك أَوْلَى بِي مِنْ أَنْ أَطْرَحَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَيَكُونَ لِغَيْرِي أَنْ يَطْرَحَ الَّذِي ثَبَتَ وَيُثْبِتَ الَّذِي طَرَحْت فَقُلْت: {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك} عَلَى بَيْعِ الْعَيْنِ لاَ يَمْلِكُهَا وَبَيْعِ الْعَيْنِ بِلاَ ضَمَانٍ. قَالَ نَعَمْ, قُلْت وَالسَّلَفُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ عِنْدَك أَلَيْسَ بِبَيْعٍ مَضْمُونٍ عَلَيْك, فَأَنْفَذْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ تَطْرَحْهُ بِالْآخَرِ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَلَزِمَك هَذَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ, أَوْ لاَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا حُجَّةً لَك قُلْت: أَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}, ثُمَّ قَالَ: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فَقَالَ قَدْ سَمَّى اللَّهُ مَنْ حَرَّمَ, ثُمَّ أَحَلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ فَلاَ أَزْعُمُ أَنَّ مَا سِوَى هَؤُلاَءِ حَرَامٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَحِلُّ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلاَ أَجِدُ فِي الْكِتَابِ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ, وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَرَامٌ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ قُلْنَا فَإِنْ قَالَ لَك أَفَتُثْبِتُ نَهْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه وَحْدَهُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَفِي ظَاهِرِ الْكِتَابِ عِنْدَك إبَاحَتُهُ وَلاَ تُوهِنُهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ قَالَ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ قُلْنَا فَإِذَا كَانَ النَّاسُ أَجْمَعُوا عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ بِتَصْدِيقِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَلاَ يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا تَحْتَجُّونَ بِهِ وَيَتَّبِعُونَ فِيهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ تُخَالِفَهُ وَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ تُثْبِتَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِمَّا وَصَفْنَا بِالْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَتَعِيبُ عَلَيْنَا أَنْ ثَبَتْنَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ, وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ قَالَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا فَالْحَدِيثُ لاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ أَثْبَتَ أَمْ حَدِيثُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَ, بَلْ حَدِيثُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَلَكِنَّ النَّاسَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِوَارِثٍ مَنْسُوخَةٌ قُلْنَا أَلَيْسَ بِخَبَرٍ قَالَ بَلَى قُلْت: فَإِذَا كَانَ النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ عَلَى قَبُولِ الْخَبَرِ, ثُمَّ جَاءَ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَى مِنْهُ لِمَ جَازَ لِأَحَدٍ خِلاَفُهُ قُلْنَا أَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك قَائِلٌ لاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ فَقَدْ قَالَهُ طَاوُسٌ قَالَ الْعِتْقُ وَصِيَّةٌ قَدْ أَجَازَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ لِلْمَمَالِيكِ وَلاَ قَرَابَةَ لَهُمْ قُلْنَا أَفَتَحْتَجُّ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ مَرَّةً وَتَتْرُكُهُ أُخْرَى وَقُلْت لَهُ نَصِيرُ بِك إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نُوجِدَك تَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِ مَا احْتَجَجْت بِهِ وَتُخَالِفُ فِيهِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ عِنْدَك. قَالَ وَأَيْنَ قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فَلِمَ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أَغْلَقَ بَابًا, أَوْ أَرْخَى سِتْرًا وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلاً وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ, وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا وَشُرَيْحٌ يَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ قَالَ: قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنهما, قُلْنَا وَخَالَفَهُمَا فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ وَمَعَهُمَا عِنْدَك ظَاهِرُ الْكِتَابِ قَالَ هُمَا أَعْلَمُ بِالْكِتَابِ مِنَّا قُلْنَا وَابْنُ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ عَالِمَانِ بِالْكِتَابِ وَمَعَهُمَا عَدَدٌ مِنْ الْمُفْتِينَ فَكَيْفَ قُلْت بِخِلاَفِ ظَاهِرِ الْكِتَابِ فِي مَوْضِعٍ قَدْ نَجِدُ الْمُفْتِينَ فِيهِ يُوَافِقُونَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَاحْتَجَجْت فِي ذَلِكَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام, وَقَدْ يُخَالِفُهُمَا غَيْرُهُمَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّك مَا تُخَالِفُ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكْت الْحُجَّةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي أَلْزَمَنَا اللَّهُ طَاعَتَهُ وَاَلَّذِي جَاءَ عَنْهُ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لَيْسَ يُخَالِفُ حُكْمَ الْكِتَابِ قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْنَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَكَانَ هَذَا مُحْتَمَلاً أَنْ يَكُونَ دَلاَلَةً مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا تَتِمُّ بِهِ الشَّهَادَةُ, حَتَّى لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُدَّعِي يَمِينٌ لاَ تَحْرِيمًا أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي التَّنْزِيلِ تَحْرِيمٌ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْهُ, وَإِذَا وَجَدْنَا الْمُسْلِمِينَ قَدْ يُجِيزُونَ أَقَلَّ مِنْهُ فَلاَ يَكُونُ أَنْ يُحَرِّمَ اللَّهُ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْهُ فَيُجِيزُهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ وَلاَ نُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ تُبَيِّنُ مَعْنَى الْقُرْآنِ قُلْنَا فَلِمَ عِبْت عَلَيْنَا السُّنَّةَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَقُلْت بِمَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهَا؟ قَالَ, وَالْأَثَرُ أَيْضًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ, قُلْنَا, وَالْأَثَرُ أَيْضًا أَضْعَفُ مِنْ السُّنَّةِ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَكُلُّ هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْك قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَقَالَ لِي مِنْهُمْ قَائِلٌ إذَا نَصَبَ اللَّهُ حُكْمًا فِي كِتَابِهِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ عَنْهُ, وَقَدْ بَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ وَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَدِّثَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ فَقُلْت قَدْ نَصَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ, فَأَحْدَثْت فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَنَصَبَ مَا حُرِّمَ مِنْ النِّسَاءِ وَأُحِلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ فَقُلْت لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلاَ خَالَتِهَا وَسَمَّى الْمَوَارِيثَ فَقُلْت فِيهِ لاَ يَرِثُ قَاتِلٌ وَلاَ مَمْلُوكٌ وَلاَ كَافِرٌ وَإِنْ كَانُوا وَلَدًا وَوَالِدًا وَحَجَبْت الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ بِالْأَخَوَيْنِ وَجَعَلَ اللَّهُ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ نِصْفَ الْمَهْرِ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهَا عِدَّةً, ثُمَّ قُلْت إنْ خَلاَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَك خِلاَفُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ, وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لاَ يُخَالِفُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ شَيْئًا; لِأَنَّا نَحْكُمُ بِشَاهِدَيْنِ وَلاَ يَمِينَ فَإِذَا كَانَ شَاهِدٌ حَكَمْنَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَيْسَ هَذَا بِخِلاَفٍ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَقُلْت لَهُ فَكَيْفَ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ قَالَ أَنْ يَلْتَعِنَ الزَّوْجُ, ثُمَّ تَلْتَعِنَ الْمَرْأَةُ قُلْت لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَلِمَ نَفَيْت الْوَلَدَ قَالَ بِالسُّنَّةِ قُلْت فَلِمَ قُلْت لاَ يَتَنَاكَحَانِ مَا كَانَا عَلَى اللِّعَانِ قَالَ بِالْأَثَرِ قُلْت فَلِمَ جَلَدْته إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَأَلْحَقْت بِهِ الْوَلَدَ قَالَ بِقَوْلِ بَعْضِ التَّابِعِينَ قُلْت فَلِمَ قُلْت إذَا أَبَتْ أَنْ تَلْتَعِنَ حُبِسَتْ قَالَ بِقَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قُلْت فَنَسْمَعُك فِي أَحْكَامٍ مَنْصُوصَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَدْ أَحْدَثْت فِيهَا أَشْيَاءَ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً فِي الْقُرْآنِ وَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} الآيَةَ. وَقَالَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِثْلَ هَذَا الْمَعْنَى فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا سَمَّى اللَّهُ مَنْصُوصًا مُحَرَّمًا قَالَ: قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لَهُ ابْنُ شِهَابٍ رَوَاهُ وَهُوَ يُضَعِّفُهُ وَيَقُولُ لَمْ أَسْمَعْهُ حَتَّى جِئْت الشَّامَ قَالَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْمَعْهُ حَتَّى جَاءَ الشَّامَ فَقَدْ أَحَالَهُ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قُلْنَا وَلاَ تُوهِنُهُ بِتَوْهِينِ مَنْ رَوَاهُ وَخِلاَفُهُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ عِنْدَك وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما مَعَ عِلْمِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَائِشَةُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ عِلْمِهَا بِهِ وَبِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مَعَ سِنِّهِ وَعِلْمِهِ يُبِيحُونَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ قَالَ لَيْسَ فِي إبَاحَتِهِمْ كُلَّ ذِي نَابٍ مَعَ السِّبَاعِ وَلاَ فِي إبَاحَةِ أَمْثَالِهِمْ حُجَّةٌ إذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّمُهُ, وَقَدْ تَخْفَى عَلَيْهِمْ السُّنَّةُ يَعْلَمُهَا مَنْ هُوَ أَبْعَدُ دَارًا وَأَقَلُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةً وَبِهِ عِلْمًا مِنْهُمْ وَلاَ يَكُونُ رَدُّهُمْ حُجَّةً حِينَ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفُهُ قُلْنَا وَتَرَاهُمْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَيَسْمَعُهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ نَعَمْ قَدْ خَفِيَ عَلَى عُمَرَ, وَالْمُهَاجِرِينَ, وَالْأَنْصَارِ مَا حَفِظَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَحَمَلُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قُلْنَا فَتَحْرِيمُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ إذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ وَلاَ فِي خِلاَفِ مُخَالِفٍ مَا وَهَنَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْنَا, وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ أَثْبَتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَيْسَ خِلاَفَ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَلَيْسَ لَهَا مُخَالِفٌ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ ثَبَتَ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ إسْنَادًا وَأَقْوَى مُخَالَفًا وَأَعْلَمُ مَعَ خِلاَفِهِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ عِنْدَك وَرَدَدْت مَا لاَ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَلاَ يُخَالِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْت لَهُ أَسْمَعُك اسْتَدْلَلْت بِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله تعالى عنهما وَلَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الَّتِي يُغْلَقُ عَلَيْهَا الْبَابُ وَيُرْخَى السِّتْرُ وَقَوْلُ عُثْمَانَ أَنْ حَجَبَتْ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ بِالْأَخَوَيْنِ, وَقَدْ خَالَفَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ أَرَأَيْت إنْ, أَوْجَدْتُك قَوْلَ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنِ عُمَرَ يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ, ثُمَّ تَرَكْت قَوْلَهُمْ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الآيَةَ. فَلِمَ قُلْتُمْ يَجْزِيه مَنْ قَتَلَهُ خَطَأً وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجْزِيه مَنْ قَتَلَهُ عَمْدًا قَالَ بِحَدِيثٍ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رَجُلَيْنِ, أَوْطَئَا ظَبْيًا قُلْت قَدْ يُوطِئَانِهِ عَامِدَيْنِ فَإِذَا كَانَ هَذَا عَنْك هَكَذَا فَقَدْ حَكَمَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى قَاتِلَيْ صَيْدٍ بِجَزَاءِ وَاحِدٍ وَحَكَمَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى قَتَلَةِ صَيْدٍ بِجَزَاءِ وَاحِدٍ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ}, وَالْمِثْلُ وَاحِدٌ لاَ أَمْثَالٌ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ عَشْرَةً لَوْ قَتَلُوا صَيْدًا جَزَوْهُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالٍ قَالَ شَبَّهْته بِالْكَفَّارَاتِ فِي الْقَتْلِ عَلَى النَّفَرِ الَّذِينَ يَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَقَبَةٌ قُلْنَا وَمَنْ قَالَ لَك يَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَقَبَةٌ, وَلَوْ قِيلَ: لَك ذَلِكَ أَفَتَدَعُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَقَوْلَ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنِ عُمَرَ بِأَنْ تَقِيسَ, ثُمَّ تُخَطِّئَ أَيْضًا الْقِيَاسَ أَرَأَيْت الْكَفَّارَاتِ أَمُوَقِّتَاتٌ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَجَزَاءُ الصَّيْدِ مُوَقَّتٌ قَالَ لاَ إلَّا بِقِيمَتِهِ قُلْنَا أَفَجَزَاءُ الصَّيْدِ إذَا كَانَ قِيمَتُهُ بِدِيَةِ الْمَقْتُولِ أَشْبَهَ أَمْ بِالْكَفَّارَاتِ فَمِائَةٌ عِنْدَك لَوْ قَتَلُوا رَجُلاً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْقِيَاسُ كَانَ بِالدِّيَةِ أَشْبَهَ. وَقِيلَ: لَهُ: حَكَمَ عُمَرُ لَهُ فِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ فَلِمَ زَعَمْت وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أَنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ هَدْيًا وَقُلْت لاَ يَجُوزُ ضَحِيَّةً وَجَزَاءُ الصَّيْدِ لَيْسَ مِنْ الضَّحَايَا بِسَبِيلٍ جَزَاءُ الصَّيْدِ قَدْ يَكُونُ بَدَنَةً وَالضَّحِيَّةُ عِنْدَك شَاةٌ وَقِيلَ لَهُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} وَحَكَمَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعُثْمَانُ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فِي بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَزْمَانِ شَتَّى بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَالنَّعَامَةُ لاَ تَسْوَى بَدَنَةً وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ وَهُوَ لاَ يَسْوَى بَقَرَةً وَفِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَهُوَ لاَ يَسْوَى كَبْشًا وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ, وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْهَا أَضْعَافًا وَمِثْلَهَا وَدُونَهَا وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَهُمَا لاَ يَسْوَيَانِ عِنَاقًا وَلاَ جَفْرَةً أَبَدًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا نَظَرُوا إلَى أَقْرَبِ مَا يُقْتَلُ مِنْ الصَّيْدِ شَبَهًا بِالْبَدَنِ لاَ بِالْقِيمَةِ, وَلَوْ حَكَمُوا بِالْقِيمَةِ لاَخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمْ لِاخْتِلاَفِ أَسْعَارِ مَا يُقْتَلُ فِي الْأَزْمَانِ, وَالْبُلْدَانِ, ثُمَّ قُلْت فِي الْقِيمَةِ قَوْلاً مُخْتَلِفًا فَقُلْت بِجَزَاءِ الْأَسَدِ وَلاَ يُعْدَى بِهِ شَاةً فَلَمْ تَنْظُرْ إلَى بَدَنِهِ; لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ الشَّاةِ وَلاَ قِيمَتُهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ شَاةٍ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي الْحَجِّ بِحِجَجِهِ قَالَ لِي أَرَاك تُنْكِرُ عَلَيَّ قَوْلِي فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد هِيَ خِلاَفُ الْقُرْآنِ قُلْت نَعَمْ لَيْسَتْ بِخِلاَفِهِ الْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ فَيَكُونُ عَامَّ الظَّاهِرِ وَهُوَ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ قَالَ ذَلِكَ مِثْلُ مَاذَا قُلْت مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فَلَمَّا كَانَ اسْمُ السَّرِقَةِ يَلْزَمُ سُرَّاقًا لاَ يُقْطَعُونَ مِثْلَ مَنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَمَنْ سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ. وَكَانَتْ الثَّيِّبُ تَزْنِي فَتُرْجَمُ وَلاَ تُجْلَدُ, وَالْعَبْدُ يَزْنِي فَيُجْلَدُ خَمْسِينَ بِالسُّنَّةِ كَانَتْ فِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهَذَا بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ وَبَعْضُ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَلَيْسَ هَذَا خِلاَفًا لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَذَلِكَ كُلُّ كَلاَمٍ احْتَمَلَ مَعَانِي فَوَجَدْنَا سُنَّةً تَدُلُّ عَلَى أَحَدِ مَعَانِيه دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مَعَانِيه اسْتَدْلَلْنَا بِهَا وَكُلُّ سُنَّةٍ مُوَافِقَةٌ لِلْقُرْآنِ لاَ مُخَالِفَةٌ وَقَوْلُك خِلاَفُ الْقُرْآنِ فِيمَا جَاءَتْ فِيهِ سُنَّةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى خَاصٍّ دُونَ عَامٍّ جَهْلٌ, قَالَ فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ. فَقُلْت قَدْ أَخْطَأْت مِنْ مَوْضِعَيْنِ قَالَ وَمَا هُمَا؟ قُلْت: لَوْ جَازَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةٌ تُخَالِفُ الْقُرْآنَ فَتَثْبُت كَانَتْ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ تَثْبُت بِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَإِذَا لَمْ تَكُنْ سُنَّةٌ, وَكَانَ الْقُرْآنُ مُحْتَمِلاً فَوَجَدْنَا قَوْلَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الْمَعَانِي دُونَ بَعْضٍ قُلْنَا هُمْ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَوْلُهُمْ غَيْرُ مُخَالِفٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كِتَابَ اللَّهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ وَلاَ قَوْلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ إجْمَاعٌ يَدُلُّ مِنْهُ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ بَعْضِ الْمَعَانِي دُونَ بَعْضِ فَهُوَ عَلَى ظُهُورِهِ وَعُمُومِهِ لاَ يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ. وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذْنَا مِنْهُ بِأَشْبَهِهِ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ, وَقَوْلُك فِيمَا فِيهِ سُنَّةٌ هُوَ خِلاَفُ الْقُرْآنِ جَهْلٌ بَيِّنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَنْتَ تُخَالِفُ قَوْلَك فِيهِ. قَالَ وَأَيْنَ قُلْنَا فِيمَا بَيَّنَّا وَفِيمَا سَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَالَ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} إلَى قَوْلِهِ {إصْلاَحًا} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَظَاهِرُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُطَلِّقٍ فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَى امْرَأَتِهِ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ; لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ فِي كُلِّ مُطَلِّقٍ عَامَّةٌ لاَ خَاصَّةٌ عَلَى بَعْضِ الْمُطَلَّقِينَ دُونَ بَعْضٍ, وَكَذَلِكَ قُلْنَا كُلُّ طَلاَقٍ ابْتَدَأَهُ الزَّوْجُ فَهُوَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَلَكَ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ خَلِيَّةٌ, أَوْ بَرِيَّةٌ, أَوْ بَائِنٌ وَلَمْ يُرِدْ طَلاَقًا فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلاَقَ وَأَرَادَ بِهِ وَاحِدَةً فَهُوَ طَلاَقٌ فِيهِ الرَّجْعَةِ, وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ لَمْ يَنْوِ إلَّا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قُلْت لِبَعْضِ مَنْ يُخَالِفُنَا أَلَيْسَ هَكَذَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ؟ قَالَ بَلَى وَتَقُولُ فِي الْخَلِيَّةِ, وَالْبَرِيَّةِ, وَالْبَتَّةِ, وَالْبَائِنَةِ لَيْسَتْ بِالطَّلاَقِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ طَلاَقًا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت, وَإِذَا قَالَ طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ طَلاَقًا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَهَذَا أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ, أَوْ بَرِيَّةٌ; لِأَنَّ هَذَا قَدْ يَكُونُ غَيْرَ طَلاَقٍ عِنْدَك وَلاَ يَكُونُ طَلاَقًا إلَّا بِإِرَادَتِهِ الطَّلاَقَ فَإِذَا أَرَادَ الطَّلاَقَ كَانَ طَالِقًا قَالَ نَعَمْ قُلْت فَلِمَ زَعَمْت أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهَذَا طَلاَقًا لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَهَذَا أَضْعَفُ عِنْدَك مِنْ الطَّلاَقِ; لِأَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى طَلاَقٍ فَالطَّلاَقُ الْقَوِيُّ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيهِ عِنْدَك وَالضَّعِيفُ لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ (قَالَ): فَقَدْ رَوَيْنَا بَعْضَ قَوْلِنَا هَذَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلْنَا مَا بَقِيَ قِيَاسًا عَلَيْهِ قُلْت فَنَحْنُ قَدْ رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَعَلَ أَلْبَتَّةَ وَاحِدَةً يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ حِينَ حَلَفَ صَاحِبُهَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً وَرَوَيْنَا مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَمَعَنَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ تَرَكْته؟ وَقُلْت لَهُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} إلَى قَوْلِهِ: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} قُلْنَا فَظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَجَلاً لَهُ فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ كَمَا لَوْ أَجَّلْتَنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ لَك أَخْذُ حَقِّك مِنِّي حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ - إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ - وَاحِدًا مِنْ الْحُكْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ فَقُلْنَا بِهَذَا وَقُلْنَا لاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَتَّى يُحْدِثَ فِيهِ طَلاَقًا فَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ فَلِمَ قُلْتُمْ هَذَا وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ لاَ فَيْئَةَ لَهُ إلَّا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَمَا نَقَصْتُمُوهُ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ قَدْرُ الْفَيْئَةِ وَلِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْفَيْئَةَ لَهُ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يُولِي إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَزِيمَةُ الطَّلاَقِ إلَّا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ, وَقَدْ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعًا لاَ فَصْلَ بَيْنَهُمَا وَلِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْفَيْئَةَ لاَ تَكُونُ إلَّا بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ مِنْ جِمَاعٍ, أَوْ فَيْءٍ بِلِسَانِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجِمَاعِ وَأَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلاَقِ هِيَ مُضِيُّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لاَ شَيْءَ يُحْدِثُهُ هُوَ بِلِسَانٍ وَلاَ فِعْلٍ أَرَأَيْت الْإِيلاَءَ طَلاَقٌ هُوَ؟ قَالَ لاَ, قُلْت أَفَرَأَيْت كَلاَمًا قَطُّ لَيْسَ بِطَلاَقٍ جَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ فَجَعَلَتْهُ طَلاَقًا قَالَ فَلِمَ قُلْت أَنْتَ يَكُونُ طَلاَقًا؟ قُلْت مَا قُلْت يَكُونُ طَلاَقًا إنَّمَا قُلْت إنَّ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدُلُّ أَنَّهُ إذَا آلَى فَمَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَكِلاَهُمَا شَيْءٌ يُحْدِثُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ: فَلِمَ قُلْت إنْ فَاءَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ فَائِيٌّ قُلْت أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَيَّ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَعَجَّلْته قَبْلَ مَحِلِّهِ أَلَمْ أَكُنْ مُحْسِنًا وَيَكُونُ قَاضِيًا عَنِّي؟ قَالَ بَلَى: قُلْت فَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَفِيءُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ مُعَجِّلٌ مَالَهُ فِيهِ مَهْلٌ قَالَ فَلَسْنَا نُحَاجُّك فِي هَذَا وَلَكِنَّا اتَّبَعْنَا فِيهِ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قُلْنَا أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّك تُخَالِفُهُ فِي الْإِيلاَءِ قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْمُولِي الَّذِي يَحْلِفُ أَنْ لاَ يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ أَبَدًا وَأَنْتَ تَقُولُ الْمَوْلَى مَنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا, فَأَمَّا مَا رَوَيْت مِنْهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُرْسَلٌ وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ لاَ يُسْنِدُهُ غَيْرُهُ عَلِمْته, وَلَوْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَنْهُ فَكُنْت إنَّمَا بِقَوْلِهِ اعْتَلَلْت لَكَانَ بِضْعَةَ عَشْرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ وَاحِدٍ, أَوْ اثْنَيْنِ قَالَ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ بِضْعَةَ عَشَرَ؟ قُلْنَا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَدْرَكْت بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهُمْ يُوقَفُ الْمُولِي قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَأَقَلُّ بِضْعَةَ عَشَرَ أَنْ يَكُونُوا ثَلاَثَةَ عَشَرَ وَهُوَ يَقُولُ مِنْ الْأَنْصَارِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَغَيْرُهُمْ كُلُّهُمْ يَقُولُ يُوقَفُ الْمُولِي فَإِنْ كُنْت ذَهَبْت إلَى الْكَثْرَةِ, فَمَنْ قَالَ يُوقَفُ أَكْثَرُ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ مَعَهُمْ, وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} إلَى قَوْلِهِ: {سِتِّينَ مِسْكِينًا} وَقُلْنَا لاَ يُجْزِيهِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَلاَ يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا, وَالْإِطْعَامُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَاسَّا فَقَالَ يُجْزِيهِ رَقَبَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ فَقُلْت لَهُ أَذَهَبْت فِي هَذَا الْقَوْلِ إلَى خَبَرٍ عَنْ أَحَدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاَ, وَلَكِنْ إذَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْ ذِكْرِ الْمُؤْمِنَةِ فِي الْعِتْقِ فَقَالَ رَقَبَةٌ وَلَمْ يَقُلْ مُؤْمِنَةٌ كَمَا قَالَ فِي الْقَتْلِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْمُؤْمِنَةَ ذَكَرَهَا قُلْت لَهُ, أَوْ مَا يَكْتَفِي إذَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْعِتْقِ فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ: {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}, ثُمَّ ذَكَرَ كَفَّارَةً مِثْلَهَا فَقَالَ رَقَبَةٍ بِأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لاَ تَكُونُ إلَّا مُؤْمِنَةً فَقَالَ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا يَدُلُّك عَلَى هَذَا؟ قُلْت نَعَمْ: قَالَ وَأَيْنَ هُوَ؟ قُلْت قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلَهُ: {حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَشَرَطَ الْعَدْلَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَقَالَ: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} وَقَالَ فِي الْقَاذِفِ: {لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} وَقَالَ: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} لَمْ يَذْكُرْ هَا هُنَا عَدْلاً قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ أُجِيزُ فِي الْبَيْعِ, وَالْقَذْفِ وَشُهُودِ الزِّنَا غَيْرَ الْعَدْلِ كَمَا قُلْت فِي الْعِتْقِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ فِي التَّنْزِيلِ شَرْطَ الْعَدْلِ كَمَا وَجَدْته فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قَدْ يَكْتَفِي بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَإِذَا ذَكَرَ الشُّهُودَ فَلاَ يَقْبَلُونَ إلَّا ذَوَيْ عَدْلٍ وَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْعَدْلِ فَاجْتِمَاعُهُمَا فِي أَنَّهُمَا شَهَادَةٌ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يُقْبَلَ فِيهَا إلَّا الْعَدْلُ قُلْت هَذَا كَمَا قُلْت فَلِمَ لَمْ تَقُلْ بِهَذَا؟ فَتَقُولُ. إذَا ذَكَرَ اللَّهُ رَقَبَةً فِي الْكَفَّارَةِ فَقَالَ مُؤْمِنَةٍ, ثُمَّ ذَكَرَ رَقَبَةً أُخْرَى فِي الْكَفَّارَةِ فَهِيَ مُؤْمِنَةٌ; لِأَنَّهُمَا مُجْتَمِعَانِ فِي أَنَّهُمَا كَفَّارَتَانِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا عَلَيْك بِهَذَا حُجَّةٌ فَلَيْسَتْ عَلَى أَحَدٍ لَوْ خَالَفَهُ فَقَالَ الشُّهُودُ فِي الْبَيْعِ, وَالْقَذْفِ وَالزِّنَا يَقْبَلُونَ غَيْرَ عُدُولٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِنَّمَا رَأَيْنَا فَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ مَدْفُوعًا إلَى مُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يُخْرِجُ رَجُلٌ مِنْ مَالِهِ فَرْضًا عَلَيْهِ فَيُعْتِقُ بِهِ ذِمِّيًّا وَقُلْنَا لَهُ زَعَمْت أَنَّ رَجُلاً لَوْ كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ, فَأَطْعَمَ مِسْكِينًا عِشْرِينَ وَمِائَةَ مُدٍّ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا لَمْ يَجْزِهِ وَإِنْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ فِي سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ أَمَا يَدُلُّك فَرْضُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ الْآخَرِ وَإِنَّمَا, أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِسِتِّينَ مُتَفَرِّقِينَ فَكَيْفَ قُلْت يَجْزِيه أَنْ يُطْعِمَهُ مِسْكِينًا يُفَرِّقُهُ عَلَيْهِ فِي سِتِّينَ يَوْمًا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ فِي يَوْمٍ طَعَامَ سِتِّينَ أَرَأَيْت رَجُلاً وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِتُّونَ دِرْهَمًا لِسِتِّينَ رَجُلاً أَيَجْزِيهِ أَنْ يُؤَدِّيَ السِّتِّينَ إلَى وَاحِدٍ, أَوْ إلَى تِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ قَالَ لاَ, وَالْفَرْضُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ قُلْنَا فَقَدْ, أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا طَعَامًا فَزَعَمْت أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أَتَقُولُ إنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُشْهِدَ لِلطَّالِبِ بِحَقِّهِ فَشَرَطَ عَدَدَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ وَالشَّهَادَةَ, أَوْ إنَّمَا أَرَادَ الشَّهَادَةَ قَالَ أَرَادَ عَدَدَ الشُّهُودِ وَشَهَادَةَ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ اثْنَانِ. قُلْت, وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِحَقِّهِ وَاحِدٌ الْيَوْمَ, ثُمَّ شَهِدَ لَهُ غَدًا أَيَجْزِيهِ مِنْ شَاهِدَيْنِ؟ قَالَ لاَ; لِأَنَّ هَذَا وَاحِدٌ وَهَذِهِ شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ قُلْنَا فَالْمِسْكِينُ إذَا رَدَدْت عَلَيْهِ الطَّعَامَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا لاَ سِتِّينَ قُلْنَا فَقَدْ سَمَّى سِتِّينَ مِسْكِينًا فَجَعَلْت طَعَامَهُمْ لِوَاحِدٍ وَقُلْت إذَا جَاءَ بِالطَّعَامِ أَجْزَأَهُ وَسَمَّى شَاهِدَيْنِ فَجَاءَ شَاهِدٌ مِنْهُمَا مَرَّتَيْنِ فَقُلْت لاَ يُجْزِئُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى مَا قُلْنَا فِي هَذَا وَفِي أَنْ لاَ تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَبَيَّنَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ كُلَّ زَوْجٍ يُلاَعِنُ زَوْجَتَهُ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ الزَّوْجَيْنِ مُطْلَقَيْنِ لَمْ يَخُصَّ أَحَدًا مِنْ الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَمْ تَدُلَّ سُنَّةٌ وَلاَ أَثَرٌ وَلاَ إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الآيَةِ بَعْضُ الْأَزْوَاجِ دُونَ بَعْضٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: إنْ الْتَعَنَ الزَّوْجُ وَلَمْ تَلْتَعِنْ الْمَرْأَةُ حُدَّتْ إذَا أَبَتْ أَنْ تَلْتَعِنَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} فَقَدْ أَخْبَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْعَذَابَ كَانَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَدْرَأَهُ بِاللِّعَانِ وَهَذَا ظَاهِرُ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (قَالَ): فَخَالَفَنَا فِي هَذَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ لاَ يُلاَعِنُ إلَّا حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَيْسَ مِنْهُمَا مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَقُلْت لَهُ: وَكَيْفَ خَالَفْت ظَاهِرَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ رَوَيْنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {أَرْبَعَةٌ لاَ لِعَانَ بَيْنَهُمْ} فَقُلْت لَهُ: إنْ كَانَتْ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مِمَّا يَثْبُتُ فَقَدْ رَوَى لَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ, وَالْقَسَامَةَ وَعَدَدَ أَحْكَامٍ غَيْرِ قَلِيلَةٍ فَقُلْنَا بِهَا وَخَالَفْت وَزَعَمْت أَنْ لاَ تَثْبُتَ رِوَايَتُهُ فَكَيْفَ تَحْتَجُّ مَرَّةً بِرِوَايَتِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَتَدَعُهَا لِضَعْفِهِ مَرَّةً؟ إمَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا كَمَا قُلْت فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ تَحْتَجَّ بِهِ فِي شَيْءٍ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا فَاتَّبَعَ مَا رَوَاهُ مِمَّا قُلْنَا بِهِ وَخَالَفْته. وَقُلْت لَهُ أَنْتَ أَيْضًا قَدْ خَالَفْت مَا رَوَيْت عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت إنْ كَانَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ عَامًّا عَلَى الْأَزْوَاجِ, ثُمَّ ذَكَرَ عَمْرٌو: {أَرْبَعَة لاَ لِعَانَ بَيْنَهُمْ} فَكَانَ يَلْزَمُك أَنْ تُخْرِجَ الْأَرْبَعَةَ مِنْ اللِّعَانِ, ثُمَّ تَقُولَ يُلاَعِنُ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: {أَرْبَعَةٌ لاَ لِعَانَ بَيْنَهُمْ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ بَيْنَ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو لاَ يُلاَعِنُ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ. قَالَ أَجَلْ وَلَكِنَّا قُلْنَا بِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّاهُ شَهَادَةً. فَقُلْت لَهُ إنَّمَا مَعْنَاهَا مَعْنَى الْيَمِينِ وَلَكِنَّ لِسَانَ الْعَرَبِ وَاسِعٌ. قَالَ وَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْت أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ شَهَادَةً أَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ؟ قَالَ: لاَ قُلْت: أَفَتَكُونُ شَهَادَتُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَّا كَشَهَادَتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: لاَ. قُلْت: أَفَيَحْلِفُ الشَّاهِدُ؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَهَذَا كُلُّهُ فِي اللِّعَانِ. قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ قَامَتْ مَقَامَ الشَّهَادَةِ أَلاَ تَحُدَّ الْمَرْأَةَ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ شَهَادَةً أَتَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي حَدٍّ؟ قَالَ لاَ قُلْت, وَلَوْ جَازَتْ كَانَتْ شَهَادَتُهَا نِصْفَ شَهَادَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَالْتَعَنَتْ ثَمَانِ مَرَّاتٍ, قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَبَيَّنَ لَك أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ قَالَ مَا هِيَ بِشَهَادَةٍ قُلْت وَلِمَ قُلْت هِيَ شَهَادَةٌ عَلَى مَعْنَى الشَّهَادَاتِ مَرَّةً وَأَبَيْتهَا أُخْرَى فَإِذَا قُلْت هِيَ شَهَادَةٌ فَلِمَ لاَ تُلاَعِنُ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ وَشَهَادَتُهُمَا عِنْدَك جَائِزَةٌ كَانَ هَذَا يَلْزَمُك وَكَيْفَ لاَعَنْت بَيْنَ الْفَاسِقَيْنِ اللَّذَيْنِ لاَ شَهَادَةَ؟ لَهُمَا قَالَ; لِأَنَّهُمَا إذَا تَابَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا. فَقُلْت لَهُ, وَلَوْ قَالاَ قَدْ تُبْنَا أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا دُونَ اخْتِبَارِهِمَا فِي مُدَّةٍ تَطُولُ قَالَ لاَ: قُلْت أَفَرَأَيْت الْعَبْدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ الْعَدْلَيْنِ الْأَمِينَيْنِ إذَا أَبَيْت اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا فِي حَالِ عُبُودِيَّةٍ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لَوْ عَتَقَا مِنْ سَاعَتِهِمَا أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا قَالَ نَعَمْ قُلْت أَهُمَا أَقْرَبُ إلَى جَوَازِ الشَّهَادَةِ; لِأَنَّك لاَ تَخْتَبِرُهُمَا يَكْفِيك أَنَّهُمَا الْخِبْرَةُ لَهُمَا فِي الْعُبُودِيَّةِ أَمْ الْفَاسِقَانِ اللَّذَانِ لاَ تُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا؟ حَتَّى تَخْتَبِرَهُمَا؟ قَالَ, بَلْ هُمَا قُلْت فَلِمَ أَبَيْت اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا وَهُمَا أَقْرَبُ مِنْ الْعَدْلِ إذَا تَحَوَّلَتْ حَالُهُمَا وَلاَعَنْت بَيْنَ الْفَاسِقَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَبْعَدُ مِنْ الْعَدْلِ وَلِمَ أَبَيْت اللَّعَّانَ بَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ وَأَنْتَ تُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا فِي الْحَالِ الَّتِي يَقْذِفُ فِيهَا الزَّوْجُ؟ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت أَعْمَيَيْنِ بِحَقَّيْنِ خُلِقَا كَذَلِكَ يَقْذِفُ الْمَرْأَةَ وَفِي الأعميين عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا لاَ يَرَيَانِ الزِّنَا, وَالْأُخْرَى أَنَّك لاَ تُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا بِحَالٍ أَبَدًا وَلاَ يَتَحَوَّلاَنِ عِنْدَك أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبَدًا كَيْفَ لاَعَنْت بَيْنَهُمَا وَفِيهِمَا مَا وَصَفْت مِنْ الْقَاذِفِ الَّذِي لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَفِيهِمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ الْقَاذِفَ لاَ يَرَى زِنَا امْرَأَتِهِ؟ قَالَ فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهُمَا زَوْجَانِ قُلْنَا فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك وَاَلَّذِي أَبَيْت قَبُولَهُ مِنَّا أَنَّ اللِّعَانَ بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَذْفِهِ الْمُحْصَنَاتِ: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا}. وَقُلْنَا إذَا تَابَ الْقَاذِفُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ, وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَقُولُ زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ لاَ تَجُوزُ. لاََشْهَدُ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك, أَوْ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قَالَ وَسَمِعْت سُفْيَانَ يُحَدِّثُ بِهِ هَكَذَا مِرَارًا, ثُمَّ سَمِعْته يَقُولُ شَكَكْت فِيهِ قَالَ سُفْيَانُ أَشْهَدُ لاََخْبَرَنِي, ثُمَّ سَمَّى رَجُلاً فَذَهَبَ عَلَى حِفْظِ اسْمِهِ فَسَأَلْت فَقَالَ لِي عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ, وَكَانَ سُفْيَانُ لاَ يَشُكُّ أَنَّهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَغَيْرُهُ يَرْوِيه عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ قَالَ سُفْيَانُ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ فَلَمَّا قُمْت سَأَلْت فَقَالَ لِي عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ وَحَضَرَ الْمَجْلِسَ مَعِي هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قُلْت لِسُفْيَانَ أَشَكَكْت حِينَ أَخْبَرَك أَنَّهُ سَعِيدٌ؟ قَالَ لاَ هُوَ كَمَا قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ دَخَلَنِي الشَّكُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا جَلَدَ الثَّلاَثَةَ اسْتَتَابَهُمْ فَرَجَعَ اثْنَانِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَرْجِعَ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَأَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ فِي الْقَاذِفِ إذَا تَابَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَالَ وَكُلُّنَا نَقُولُهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ أَبَدًا قُلْت أَفَرَأَيْت الْقَاذِفَ إذَا لَمْ يُحَدَّ حَدًّا تَامًّا أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت لَهُ وَلاَ أَعْلَمُك إلَّا دَخَلَ عَلَيْك خِلاَفُ الْقُرْآنِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِجَلْدِهِ وَأَنْ لاَ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ فَزَعَمْت أَنَّهُ إنْ لَمْ يُجْلَدْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ قَالَ فَإِنَّهُ عِنْدِي إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذَا جُلِدَ قُلْت أَفَتَجِدُ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَمْ فِي خَبَرٍ ثَابِتٍ؟ قَالَ أَمَّا فِي خَبَرٍ فَلاَ, وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} قُلْت أَفَبِالْقَذْفِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} أَمْ بِالْجَلْدِ؟ قَالَ بِالْجَلْدِ قَالَ بِالْجَلْدِ عِنْدِي قُلْت وَكَيْفَ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَك, وَالْجَلْدُ إنَّمَا وَجَبَ بِالْقَذْفِ, وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فَقَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي الْقَاتِلِ خَطَأً: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} فَتَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ لِلَّهِ وَالدِّيَةُ لِأَهْلِ الْمَقْتُولِ وَلاَ يَجِبُ الَّذِي لِلْآدَمِيِّينَ وَهُوَ الدِّيَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الَّذِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قُلْت لاَ يَجِبُ أَنْ تُرَدَّ الشَّهَادَةُ وَرَدَّهَا عَنْ الْآدَمِيِّينَ حَتَّى يُؤْخَذَ الْحَدُّ الَّذِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا تَقُولُ لَهُ؟ قَالَ أَقُولُ لَيْسَ هَذَا كَمَا قُلْت: وَإِذَا, أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلاَ عَلَى آدَمِيٍّ شَيْئَيْنِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا لِلْآدَمِيِّينَ أَخَذَ مِنْهُ, وَكَانَ الْآخَرُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ, أَوْ يُؤَدِّيَهُ فَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ وَلَمْ يُؤَدِّهِ لَمْ يُسْقِطْ ذَلِكَ عَنْهُ حَقَّ الْآدَمِيِّينَ الَّذِي, أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ قُلْت لَهُ فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا لَمْ يُجْلَدْ الْحَدَّ وَجُلِدَ بَعْضَهُ فَلَمْ يَتِمَّ بَعْضُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ, وَقَدْ, أَوْجَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ الْحَدَّ وَرَدَّ الشَّهَادَةَ؟ فَمَا عَلِمْته رَدَّ حَرْفًا إلَّا أَنْ قَالَ هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا. فَقُلْت لَهُ هَذَا الَّذِي عِبْت عَلَى غَيْرِك أَنْ يَقْبَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِنْ سَبَقُوهُ إلَى الْعِلْمِ وَكَانُوا عِنْدَهُ ثِقَةً مَأْمُونِينَ فَقُلْت لاَ نَقْبَلُ إلَّا مَا جَاءَ فِيهِ كِتَابٌ, أَوْ سُنَّةٌ, أَوْ أَثَرٌ, أَوْ أَمْرٌ أَجْمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ, ثُمَّ قُلْت فِيمَا أَرَى خِلاَفَ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَقُلْت لَهُ إذْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فَكَيْفَ جَازَ لَك, أَوْ لِأَحَدٍ إنْ تَكَلَّفَ مِنْ الْعِلْمِ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لاَ أَقْبَلُ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ وَمِنْ قَوْلِك وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لاَ أُكَلِّمُك أَبَدًا وَلاَ أُعْطِيك دِرْهَمًا وَلاَ آتِي مَنْزِلَ فُلاَنٍ وَلاَ أَعْتِقُ عَبْدِي فُلاَنًا وَلاَ أُطَلِّقُ امْرَأَتِي فُلاَنَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ الْكَلاَمِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ. فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لاَ يَقَعُ عَلَى الْقَاذِفِ إلَّا عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ اسْمَ الْفِسْقِ فَقَطْ؟ فَقَالَ: قَالَهُ شُرَيْحٌ فَقُلْنَا فَعُمَرُ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مِنْ شُرَيْحٍ وَأَهْلُ دَارِ السُّنَّةِ وَحَرَمِ اللَّهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّه وَبِلِسَانِ الْعَرَبِ; لِأَنَّهُ بِلِسَانِهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ فَقَوْلُ أَبِي بَكْرَةَ اسْتَشْهِدُوا غَيْرِي فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي فَقُلْت لَهُ قَلَّمَا رَأَيْتُك تَحْتَجُّ بِشَيْءٍ إلَّا وَهُوَ عَلَيْك قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قُلْت احْتَجَجْت بِقَوْلِ أَبِي بَكْرَةَ اسْتَشْهِدُوا غَيْرِي فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فَسَقَوْنِي فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ تَابَ فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُزِيلُوا عَنْهُ الِاسْمَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُزَالَ عَنْهُ إذَا تَابَ اسْمُ الْفِسْقِ وَلاَ تُجِيزُ شَهَادَتَهُ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرَةَ إنْ كَانَ قَالَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يُزِيلُوا عَنْهُ الِاسْمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ الِاسْمَ مَعَ تَرْكِهِمْ قَبُولَ شَهَادَتِهِ قَالَ فَهَكَذَا احْتَجَّ أَصْحَابُنَا قُلْت أَفَتَقْبَلُ عَمَّنْ هُوَ أَشَدُّ تَقَدُّمًا فِي الدَّرَكِ وَالسِّنِّ, وَالْفَضْلِ مِنْ صَاحِبِك أَنْ تَحْتَجَّ بِمَا إذَا كَشَفَ كَانَ عَلَيْك وَبِمَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ خِلاَفُهُ؟ قَالَ لاَ قُلْت فَصَاحِبُك أَوْلَى أَنْ يَرُدَّ هَذَا عَلَيْهِ وَقُلْت لَهُ أَتَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ تَابَ مِنْ كُفْرٍ وَمَنْ تَابَ مِنْ قَتْلٍ وَمَنْ تَابَ مِنْ خَمْرٍ وَمِنْ زِنَا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت, وَالْقَاذِفُ شَرٌّ أَمْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ, بَلْ أَكْثَرُ هَؤُلاَءِ أَعْظَمُ ذَنْبًا مِنْهُ قُلْت فَلِمَ قَبِلْت مِنْ التَّائِبِ مِنْ الْأَعْظَمِ وَأَبَيْت الْقَبُولَ مِنْ التَّائِبِ مِمَّا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ؟ وَقُلْت وَقُلْنَا لاَ يَحِلُّ نِكَاحُ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِحَالٍ, وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَّا وَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ لِمَنْ يَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَلاَ إنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلاً لِحُرَّةٍ حَتَّى يَخَافَ الْعَنَتَ فَتَحِلُّ حِينَئِذٍ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَحِلُّ نِكَاحُ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ فِي الْأَمَةِ فَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} فَحَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ جُمْلَةً وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}, ثُمَّ قَالَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فَأَحَلَّ صِنْفًا وَاحِدًا مِنْ الْمُشْرِكَاتِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ حُرَّةً; لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} هُنَّ الْحَرَائِرُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى قَوْلِهِ: {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} فَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً} أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَنْ لاَ يَجِدَ طَوْلاً, وَالْآخَرُ أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ وَفِي هَذَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ نِكَاحَ أَمَةٍ غَيْرِ مُؤْمِنَةٍ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ: قَدْ قُلْنَا مَا حَكَيْت بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَظَاهِرِهِ فَهَلْ قَالَ مَا قُلْت أَنْتَ مِنْ إبَاحَةِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَجْمَعَ لَك عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَتُقَلِّدُهُمْ وَتَقُولُ هُمْ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا قَالُوا إنْ احْتَمَلَتْهُ الْآيَتَانِ؟ قَالَ: لاَ قُلْنَا فَلِمَ خَالَفْت فِيهِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ؟ قَالَ إذَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَرَائِرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُحَرِّمْ الْإِمَاءَ قُلْنَا وَلِمَ لاَ تُحَرِّمُ الْإِمَاءَ مِنْهُمْ بِجُمْلَةِ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ وَبِأَنَّهُ خَصَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلاً وَيَخَافُ الْعَنَتَ؟ قَالَ لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الْمُشْرِكَاتِ جُمْلَةً, ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُنَّ مُحْصَنَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَ كَالدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَبَاحَ مَا حُرِّمَ فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك جَاهِلٌ بِمِثْلِ مَا قُلْت فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى قَوْلِهِ: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} وَقَالَ فِي الآيَةِ الْأُخْرَى: {إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} فَلَمَّا أَبَاحَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ مَا حُرِّمَ جُمْلَةً أَيَكُونُ لِي إبَاحَةُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ فَيَكُونُ التَّحْرِيمُ فِيهِ مَنْسُوخًا, وَالْإِبَاحَةُ قَائِمَةً؟ قَالَ لاَ قُلْنَا وَتَقُولُ لَهُ التَّحْرِيمُ بِحَالِهِ, وَالْإِبَاحَةُ عَلَى الشَّرْطِ فَمَتَى لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ فَلاَ تَحِلُّ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَهَذَا مِثْلُ الَّذِي قُلْنَا فِي إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ حُرِّمَ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} أَفَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ بِنْتَ الْمَرْأَةِ بِالدُّخُولِ, وَكَذَلِكَ الْأُمُّ, وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْنَا وَلِمَ؟ أَلِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْأُمَّ مُبْهَمَةً وَالشَّرْطُ فِي الرَّبِيبَةِ فَأُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَأُحِلُّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ خَاصَّةً وَلاَ أَجْعَلُ مَا أُبِيحَ وَحْدَهُ مَحَلًّا لِغَيْرِهِ. قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا فَهَكَذَا قُلْنَا فِي إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ, وَالْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ وَقُلْنَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ فَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَيَكُونُ لَنَا إذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يُجْزِئُ مِنْ الْوُضُوءِ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْبُرْقُعِ, وَالْقُفَّازَيْنِ, وَالْعِمَامَةِ؟ قَالَ لاَ قُلْنَا وَلِمَ؟ أَتَعُمُّ الْجُمْلَةَ عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَخُصُّ مَا خَصَّتْ السُّنَّةُ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَهَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ عَلَيْك وَقُلْنَا أَرَأَيْت حِينَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْرِكَاتِ جُمْلَةً, ثُمَّ اسْتَثْنَى نِكَاحَ الْحَرَائِرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُلْت يَحِلُّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ مِنْهُنَّ; لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِلتَّحْرِيمِ جُمْلَةً وَإِبَاحَتُهُ حَرَائِرَهُنَّ تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إمَائِهِنَّ؟ فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ نَعَمْ وَحَرَائِرُ وَإِمَاءُ الْمُشْرِكَاتِ غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْنَا وَلِمَ؟ قَالَ; لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَيَاتِ بِشَرْطِ أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قُلْنَا وَلاَ يَكُنْ مِنْ غَيْرِهِنَّ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا وَهُوَ يَشْرِطُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَكُنَّ إمَاءً, وَالْأَمَةُ غَيْرُ الْحُرَّةِ كَمَا الْكِتَابِيَّةُ غَيْرُ الْمُشْرِكَةِ؟ الَّتِي لَيْسَتْ بِكِتَابِيَّةٍ وَهَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يَلْزَمُهُ فِيهِ أَنْ لاَ يَحِلَّ نِكَاحُهُنَّ إلَّا بِشَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَبَاحَهُ بِأَنْ لاَ يَجِدَ طَوْلاً وَيَخَافُ الْعَنَتَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآيَةَ. وَقَالَ: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فَقُلْنَا بِهَذِهِ الْآيَاتِ إنَّ التَّحْرِيمَ فِي غَيْرِ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَمَا خَصَّتْهُ سُنَّةٌ بِهَذِهِ الْآيَاتِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّكَاحِ وَلاَ يُحَرِّمُ الْحَلاَلُ الْحَرَامَ, وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً نَاكَ أُمَّ امْرَأَتِهِ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا قَبَّلَ أُمَّ امْرَأَتِهِ, أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا شَهْوَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَحُرِّمَتْ هِيَ عَلَيْهِ; لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ, وَلَوْ أَنَّ امْرَأَتَهُ قَبَّلَتْ ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَقُلْنَا لَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّكَاحِ فَهَلْ عِنْدَك سُنَّةٌ بِأَنَّ الْحَرَامَ يُحَرِّمُ الْحَلاَلَ؟ قَالَ لاَ قُلْت فَأَنْتَ تَذْكُرُ شَيْئًا ضَعِيفًا لاَ يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ لَوْ قَالَهُ مَنْ رَوَيْته عَنْهُ فِي شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ قُرْآنٌ وَقَالَ هَذَا مَوْجُودٌ فَإِنَّ مَا حَرَّمَهُ الْحَلاَلُ فَالْحَرَامُ لَهُ أَشَدُّ تَحْرِيمًا قُلْنَا أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فَقَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَالِثَةً مِنْ الطَّلاَقِ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فَإِنْ نَكَحَتْ وَالنِّكَاحُ الْعُقْدَةُ حَلَّتْ لِزَوْجِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا؟. قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ; لِأَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ تَحِلُّ حَتَّى يُجَامِعَهَا الزَّوْجُ الَّذِي يَنْكِحُهَا قُلْنَا فَقَالَ لَك فَإِنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ وَهِيَ لاَ تَحِلُّ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يُحِلُّهَا فَإِنْ كَانَتْ السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِمَاعَ الزَّوْجِ يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الَّذِي فَارَقَهَا فَالْمَعْنَى إنَّمَا هُوَ فِي أَنْ يُجَامِعَهَا غَيْرُ زَوْجِهَا الَّذِي فَارَقَهَا فَإِذَا جَامَعَهَا رَجُلٌ بِزِنَا حَلَّتْ, وَكَذَلِكَ إنْ جَامَعَهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ حَلَّتْ قَالَ لاَ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ زَوْجًا قُلْنَا فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ: أَوَلَيْسَ قَدْ كَانَ التَّزْوِيجُ مَوْجُودًا وَهِيَ لاَ تَحِلُّ؟ فَإِنَّمَا حَلَّتْ بِالْجِمَاعِ فَلاَ يَضُرُّك مِنْ أَيْنَ كَانَ الْجِمَاعُ قَالَ لاَ حَتَّى يَجْتَمِعَ الشَّرْطَانِ مَعًا فَيَكُونُ جِمَاعُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ قُلْنَا وَلاَ يُحِلُّهَا الْجِمَاعُ الْحَرَامُ قِيَاسًا عَلَى الْجِمَاعِ الْحَلاَلِ؟ قَالَ: لاَ قُلْت وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا, فَأَصَابَهَا سَيِّدُهَا؟ قَالَ لاَ قُلْنَا فَهَذَا جِمَاعٌ حَلاَلٌ قَالَ وَإِنْ كَانَ حَلاَلاً فَلَيْسَ بِزَوْجٍ لاَ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ حَتَّى يَجْتَمِعَ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا وَيُجَامِعُهَا الزَّوْجُ قُلْنَا فَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ بِالْحَلاَلِ فَقَالَ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وَقَالَ: {وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} فَمِنْ أَيْنَ زَعَمْت أَنَّ حُكْمَ الْحَلاَلِ حُكْمُ الْحَرَامِ وَأَبَيْت ذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ يُفَارِقُهَا زَوْجُهَا, وَالْأَمَةُ يُفَارِقُهَا زَوْجُهَا فَيُصِيبُهَا سَيِّدُهَا؟ وَقُلْت لَهُ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ فَلَمَّا كَانَ حُكْمُ الزَّوْجَةِ إذَا طَلُقَتْ ثَلاَثًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً تَكَلَّمَ بِالطَّلاَقِ مِنْ امْرَأَةٍ يُصِيبُهَا بِفُجُورٍ أَفَتَكُونُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ; لِأَنَّ الْكَلاَمَ بِالطَّلاَقِ إذَا حَرَّمَ الْحَلاَلَ كَانَ لِلْحَرَامِ أَشَدَّ تَحْرِيمًا؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْنَا وَلَيْسَ حُكْمُ الْحَلاَلِ حُكْمَ الْحَرَامِ؟ قَالَ: لاَ, قُلْنَا فَلِمَ زَعَمْت أَنَّهُ حُكْمُهُ فِيمَا وَصَفْت؟ قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ أَقُولُ ذَلِكَ قِيَاسًا قُلْنَا فَأَيْنَ الْقِيَاسُ؟ قَالَ الْكَلاَمُ مُحَرَّمٌ فِي الصَّلاَةِ فَإِذَا تَكَلَّمَ حُرِّمَتْ الصَّلاَةُ قُلْنَا وَهَذَا أَيْضًا فَإِذَا تَكَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الصَّلاَةُ أَنْ يَعُودَ فِيهَا, أَوْ حُرِّمَتْ صَلاَةُ غَيْرِهَا بِكَلاَمِهِ فِيهَا؟ قَالَ لاَ وَلَكِنَّهُ أَفْسَدَهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا قُلْنَا فَلَوْ قَاسَ هَذَا الْقِيَاسَ غَيْرُ صَاحِبِك أَيُّ شَيْءٍ كُنْت تَقُولُ لَهُ؟ لَعَلَّك كُنْت تَقُولُ لَهُ مَا يَحِلُّ لَك تَكَلُّمٌ فِي الْفِقْهِ هَذَا رَجُلٌ قِيلَ لَهُ اسْتَأْنِفْ الصَّلاَةَ; لِأَنَّهَا لاَ تَجْزِي عَنْك إذَا تَكَلَّمْت فِيهَا. وَذَلِكَ رَجُلٌ جَامَعَ امْرَأَةً فَقُلْت لَهُ حُرِّمَتْ عَلَيْك أُخْرَى غَيْرُهَا أَبَدًا فَكَانَ يَلْزَمُك أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ صَلاَةَ غَيْرِهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَبَدًا وَهَذَا لاَ يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ قُلْته فَأَيُّهُمَا تُحَرِّمُ عَلَيْهِ, أَوْ تَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَبَدًا كَمَا زَعَمْت أَنَّ امْرَأَتَهُ إذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِ أُمِّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا؟ قَالَ لاَ أَقُولُ هَذَا وَلاَ تُشْبِهُ الصَّلاَةَ الْمَرْأَتَانِ تَحْرُمَانِ لَوْ شَبَّهْتهمَا بِالصَّلاَةِ قُلْت لَهُ يَعُودُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الِامْرَأَتَيْنِ فَيَنْكِحُهَا بِنِكَاحٍ حَلاَلٍ وَقُلْت لَهُ لاَ تَعُدْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلاَتَيْنِ قُلْنَا فَلَوْ زَعَمْت قِسْته بِهِ وَهُوَ أَبْعَدُ الْأُمُورِ مِنْهُ قَالَ شَيْءٌ كَانَ قَاسَهُ صَاحِبُنَا قُلْنَا أَفَحَمِدْت قِيَاسَهُ؟ قَالَ لاَ مَا صَنَعَ شَيْئًا وَقَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ فَالْمَاءُ حَلاَلٌ فَإِذَا خَالَطَهُ الْحَرَامُ نَجَّسَهُ قُلْنَا وَهَذَا أَيْضًا مِثْلُ الَّذِي زَعَمْت أَنَّك لَمَّا تَبَيَّنَ لَك عَلِمْت أَنَّ صَاحِبَك لَمْ يَصْنَعْ فِيهِ شَيْئًا قَالَ فَكَيْفَ؟ قُلْت أَتَجِدُ الْحَرَامَ فِي الْمَاءِ مُخْتَلِطًا فَالْحَلاَلُ مِنْهُ لاَ يَتَمَيَّزُ أَبَدًا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَجِدُ بَدَنَ الَّتِي زَنَى بِهَا مُخْتَلِطًا بِبَدَنِ ابْنَتِهَا لاَ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ؟ قَالَ لاَ, قُلْت وَتَجِدُ الْمَاءَ لاَ يَحِلُّ أَبَدًا إذَا خَالَطَهُ الْحَرَامُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَتَجِدُ الرَّجُلَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَهَا, أَوْ هِيَ حَلاَلٌ لَهُ وَحَرَامٌ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا؟ قَالَ, بَلْ هِيَ حَلاَلٌ لَهُ قُلْت فَهُمَا حَلاَلٌ لِغَيْرِهِ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَرَاهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ؟ قَالَ لاَ قُلْت أَفَمَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ خَطَأَك فِي هَذَا لَيْسَ يَسِيرًا إذَا كَانَ يَعْصِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي امْرَأَةٍ فَزَنَى بِهَا فَإِذَا نَكَحَهَا حَلَّتْ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَإِنْ أَرَادَ نِكَاحَ ابْنَتِهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ فَتَحِلُّ لَهُ الَّتِي زَنَى بِهَا وَعَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا, وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاَقًا; لِأَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَقَعُ إلَّا عَلَى الْأَزْوَاجِ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا الَّتِي لَمْ يَعْصِ اللَّهَ تَعَالَى فِي أَمْرِهَا وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ امْرَأَتِهِ وَهَذِهِ عِنْدَك لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ يُقَالُ مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا قُلْت وَمَا أَدْرِي لَعَلَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يَرَ فَرْجَ ابْنَتِهَا مَلْعُونٌ, وَقَدْ أَوْعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الزِّنَا النَّارَ وَلَعَلَّهُ مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى شَيْئًا مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ: مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ أُخْتَيْنِ قَالَ لاَ قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ إنْ زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا وَعَابَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ فِي هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ وَالطَّلاَقَ إلَيْهِمْ فَزَعَمُوا هُمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا شَاءَتْ كَانَ الطَّلاَقُ إلَيْهَا فَإِذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا قَبَّلَتْ ابْنَهُ وَقَالَتْ قَبَّلْته بِشَهْوَةٍ فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا الْأَمْرَ إلَيْهَا وَقُلْنَا نَحْنُ وَهُمْ وَجَمِيعُ النَّاسِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ عَلِمْته مَنْ طَلَّقَ غَيْرَ امْرَأَتِهِ, أَوْ آلَى مِنْهَا, أَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَلَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ وَلاَ إيلاَءٌ قَالَ فَقُلْنَا إذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا, ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الطَّلاَقُ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ بِامْرَأَةٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ لاَ يُخَالِفُهُ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الطَّلاَقُ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهَا الطَّلاَقُ فَقُلْت لَهُ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} إلَى آخَرِ الْآيَتَيْنِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. وَقُلْنَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} وَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعِدَّةَ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي الْوَفَاةِ فَقَالَ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} فَمَا تَقُولُ فِي الْمُخْتَلِعَةِ إنْ آلَى مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخُلْعِ, أَوْ تَظَاهَرَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِيلاَءُ, أَوْ الظِّهَارُ؟ قَالَ لاَ قُلْت فَإِنْ مَاتَ هَلْ تَرِثُهُ, أَوْ مَاتَتْ هَلْ يَرِثُهَا فِي الْعِدَّةِ؟ قَالَ لاَ قُلْت وَلِمَ وَهِيَ تَعْتَدُّ مِنْهُ؟ قَالَ لاَ وَإِنْ اعْتَدَّتْ فَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا فِي الْأَزْوَاجِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآيَةَ, وَإِذَا رَمَى الْمُخْتَلِعَةَ فِي الْعِدَّةِ أَيُلاَعِنُهَا قَالَ لاَ قُلْت: أَفَبِالْقُرْآنِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَلْزَمُ إلَّا زَوْجَةٌ وَهَذِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَعِنْدَك غَيْرُ زَوْجَةٍ, ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ الطَّلاَقَ يَلْزَمُهَا وَأَنْتَ تَقُولُ إنَّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ؟ قَالَ رَوَيْنَا قَوْلَنَا هَذَا بِحَدِيثٍ شَامِيٍّ قُلْنَا أَفَيَكُونُ مِثْلُهُ مِمَّا يَثْبُتُ؟ قَالَ لاَ قُلْنَا فَلاَ تَحْتَجُّ بِهِ قَالَ فَقَالَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ قُلْنَا فَهُمَا إذَا قَالاَ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْهُمَا غَيْرُهُمَا حُجَّةٌ؟ قَالَ لاَ قُلْنَا فَهَلْ يَحْتَجُّ بِهِمَا عَلَى قَوْلِنَا وَهُوَ يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَلَعَلَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ فَيُلْزِمَانِهِ الْإِيلاَءَ وَالظِّهَارَ وَيَجْعَلاَنِ بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثَ؟ قَالَ فَهَلْ قَالَ أَحَدٌ بِقَوْلِك؟ قُلْنَا الْكِتَابُ كَافٍ مِنْ ذَلِكَ, وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالاَ لاَ يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ الطَّلاَقُ فِي الْعِدَّةِ; لِأَنَّهُ طَلَّقَ مَا لاَ يَمْلِكُ قُلْت لَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إلَّا قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ كِلَيْهِمَا أَكَانَ لَك خِلاَفُهُ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِك إلَّا بِأَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَهُ قَالَ لاَ قُلْت فَالْقُرْآنُ مَعَ قَوْلِهِمَا, وَقَدْ خَالَفْتهمَا وَخَالَفْت فِي قَوْلِك عَدَدَ آيٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَأَيْنَ؟ قُلْت إنْ زَعَمْت أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي الْأَزْوَاجِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ الْإِيلاَءُ وَالظِّهَارُ وَاللِّعَانُ وَأَنْ يَكُونَ لَهُنَّ الْمِيرَاثُ وَمِنْهُنَّ الْمِيرَاثُ وَأَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ يَلْزَمُهَا وَاحِدٌ مِنْ هَذَا فَمَا يَلْزَمُك إذَا قُلْت يَلْزَمُهَا الطَّلاَقُ وَالطَّلاَقُ لاَ يَلْزَمُ إلَّا زَوْجَةً أَنَّك خَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ فِي إلْزَامِهَا الطَّلاَقَ, أَوْ فِي تَرْكِك إلْزَامَهَا الْإِيلاَءَ وَالظِّهَارَ وَاللِّعَانَ, وَالْمِيرَاثَ لَهَا, وَالْمِيرَاثَ مِنْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَمَا رَدَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ قَالَ: قَالَ بِهَا أَصْحَابُنَا فَقُلْت لَهُ أَتَجْعَلُ قَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً حُجَّةً وَلَيْسَ يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِهِ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ وَتَجْعَلُهُ أُخْرَى حُجَّةً وَأَنْتَ تَقُولُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يُخَالِفُهُ كَمَا قُلْت إذَا أَرْخَى سِتْرًا وَجَبَ الْمَهْرُ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِغْلاَقُ الْبَابِ وَإِرْخَاءُ السِّتْرِ لَيْسَ بِالْمَسِيسِ, ثُمَّ تَتْرُكُ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَعَهُمَا خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ فِي الْعِدَّةِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَمَعَهُمَا الْقِيَاسُ, وَالْمَعْقُولُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَتَتْرُكُ قَوْلَ عُمَرَ فِي الصَّيْدِ أَنَّهُ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَقَوْلُ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ حِينَ حَكَمَا عَلَى رَجُلَيْنِ, أَوْطَئَا ظَبْيًا بِشَاةٍ, وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} فَزَعَمْت أَنَّهُ يُجْزِي بِدَرَاهِمَ وَيَقُولاَنِ فِي الظَّبْيِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ وَاَللَّهُ يَقُولُ: {مِثْلُ} وَأَنْتَ تَقُولُ جَزَاءَانِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} وَقَالَ: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} فَقَرَأَ إلَى: {الْمُحْسِنِينَ} فَقَالَ عَامَّةُ مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتْعَةُ هِيَ لِلَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا قَطُّ وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ فَطَلُقَتْ وَلِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا الْمَفْرُوضِ لَهَا بِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ لَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً دُونَ الْأُخْرَى بِدَلاَلَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ أَثَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إلَّا الَّتِي فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَمْ يُدْخَلْ بِهَا فَحَسْبُهَا نِصْفُ الْمَهْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَأَحْسِبُ ابْنَ عُمَرَ اسْتَدَلَّ بِالآيَةِ الَّتِي تُتْبَعُ لِلَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ بَعْدَهَا: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} الآيَةَ. فَرَأْيُ الْقُرْآنِ كَالدَّلاَلَةِ عَلَى أَنَّهَا مُخْرَجَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ وَلَعَلَّهُ رَأَى أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ أَنْ تَكُونَ الْمُطَلَّقَةُ تَأْخُذُ بِمَا اسْتَمْتَعَ بِهِ مِنْهَا زَوْجُهَا عِنْدَ طَلاَقِهَا شَيْئًا فَلَمَّا كَانَتْ الْمَدْخُولُ بِهَا تَأْخُذُ شَيْئًا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا لَمْ يُفْرَضْ لَهَا كَانَتْ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا, وَقَدْ فَرَضَ لَهَا تَأْخُذُ بِحُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نِصْفَ الْمَهْرِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْمُتْعَةِ وَلَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا فَرَأَى حُكْمَهَا مُخَالِفًا حُكْمَ الْمُطَلَّقَاتِ بِالْقُرْآنِ وَخَالَفَ حَالُهَا حَالَهُنَّ فَذَكَرْت مَا وَصَفْت مِنْ هَذَا لِبَعْضِ مَنْ يُخَالِفُنَا وَقُلْنَا لَهُ أَنْتَ تَسْتَدِلُّ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى الْكِتَابِ إذَا احْتَمَلَهُ, وَالْكِتَابُ مُحْتَمِلٌ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَفِيهِ كَالدَّلِيلِ عَلَى قَوْلِهِ فَكَيْفَ خَالَفْته, ثُمَّ لَمْ تَزْعُمْ بِالآيَةِ أَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ سَوَاءٌ فِي الْمُتْعَةِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} لَمْ يَخُصَّ مُطَلَّقَةً دُونَ مُطَلَّقَةٍ قَالَ اسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ, وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاجِبٍ فَهُوَ عَلَى الْمُتَّقِينَ وَغَيْرِهِمْ وَلاَ يُخَصُّ بِهِ الْمُتَّقُونَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قُلْنَا فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْمُتْعَةَ مُتْعَتَانِ مُتْعَةٌ يُجْبِرُ عَلَيْهَا السُّلْطَانُ وَهِيَ مُتْعَةُ الْمَرْأَةِ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا الزَّوْجُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَطَلَّقَهَا وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ مَا كَانَ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ حَقٌّ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ وَكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْآيَتَيْنِ خَاصَّةً؟ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ إحْدَاهُمَا عَامَّةٌ, وَالْأُخْرَى خَاصَّةٌ؟ فَإِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ لِمَ لَمْ يَكُنْ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِمْ؟ هَلْ مَعَك بِهَذَا دَلاَلَةُ كِتَابٍ, أَوْ سُنَّةٍ, أَوْ أَثَرٍ, أَوْ إجْمَاعٍ؟ فَمَا عَلِمْته رَدَّ أَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت فِي أَنْ قَالَ هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى, وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُشْرِكِينَ: {فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الآيَةَ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ} وَأَهْوَاءَهُمْ يَحْتَمِلُ سَبِيلَهُمْ فِي أَحْكَامِهِمْ وَيَحْتَمِلُ مَا يَهْوُونَ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ وَأُمِرَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُ اللَّهِ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ وَأَعْلَمَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لاَ يُجِيزُ بَيْنَهُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلِهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ بَيْنَهُمْ فَقُلْنَا وَلِمَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَنْتَ لاَ تُخَالِفُنَا فِي أَنَّهُمْ مِنْ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ لاَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَكَيْفَ أَجَزْت غَيْرَ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ؟ قَالَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} فَقُلْت لَهُ فَقَدْ قِيلَ: مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ وَالتَّنْزِيلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ} وَالصَّلاَةُ الْمُؤَقَّتَةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} وَإِنَّمَا الْقَرَابَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَرَبِ, أَوْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ لاَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الْأَثِمِينَ} فَإِنَّمَا يَتَأَثَّمُ مِنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُسْلِمُونَ لاَ أَهْلُ الذِّمَّةِ قَالَ فَإِنَّا نَقُولُ هِيَ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ قُلْت لَهُ فَأَنْتَ تَتْرُكُ مَا تَأَوَّلْت قَالَ وَأَيْنَ قُلْت أَفَتُجِيزُ شَهَادَةَ غَيْرِ أَهْلِ دِينِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ لاَ قُلْت وَلِمَ وَهُمْ غَيْرُ أَهْلِ دِينِنَا هَلْ تَجِدُ فِي هَذِهِ الآيَةِ, أَوْ فِي خَبَرٍ يَلْزَمُ مِثْلُهُ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ جَائِزَةٌ وَشَهَادَةَ غَيْرِهِمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ, أَوْ رَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ أَرَاك قَدْ خَصَّصْت بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ بَعْضٍ فَأُجِيزُ شَهَادَةَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ; لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا بِمَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ وَلَمْ يُبَدِّلُوا كِتَابًا كَانَ فِي أَيْدِيهمْ وَأَرُدُّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَنَا أَنَّهُمْ بَدَّلُوا كِتَابَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَفِيهِمْ قَوْمٌ لاَ يَكْذِبُونَ قُلْنَا وَفِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ قَوْمٌ لاَ يَكْذِبُونَ قَالَ فَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَنْ لاَ يُجِيزُوا شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ قُلْنَا الَّذِينَ تَحْتَجُّ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَك مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَرُدُّوا شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ إلَّا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}, وَالْآيَةُ مَعَهَا وَبِذَلِكَ رَدُّوا شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانُوا أَخْطَئُوا فَلاَ نَحْتَجُّ بِإِجْمَاعِ الْمُخْطِئِينَ مَعَك وَإِنْ كَانُوا أَصَابُوا فَاتَّبِعْهُمْ فَقَدْ اتَّبَعُوا الْقُرْآنَ فَلَمْ يُجِيزُوا شَهَادَةَ مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلاَمِ قَالَ فَإِنَّ شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقُلْت لَهُ وَخَالَفَ شُرَيْحًا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ السُّنَّةِ, وَالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ, فَأَبَوْا إجَازَةَ شَهَادَتِهِمْ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا وَأَنْتَ تُخَالِفُ شُرَيْحًا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ بِرَأْيِك قَالَ إنِّي لاََفْعَلُ قُلْت وَلِمَ قَالَ; لِأَنَّهُ لاَ يَلْزَمُنِي قَوْلُهُ قُلْت فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْك قَوْلُهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ فَقَوْلُهُ فِيمَا فِيهِ خِلاَفُ الْكِتَابِ أَوْلَى أَنْ لاَ يَلْزَمَك قَالَ فَإِذَا لَمْ أُجِزْ شَهَادَتَهُمْ أَضْرَرْت بِهِمْ قُلْت أَنْتَ لَمْ تَضُرَّ بِهِمْ لَهُمْ حُكَّامٌ وَلَمْ يَزَالُوا يَسْأَلُونَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلاَ نَمْنَعُهُمْ مِنْ حُكَّامِهِمْ, وَإِذَا حَكَمْنَا لَمْ نَحْكُمْ إلَّا بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ إجَازَةِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت عَبِيدًا أَهْلَ فَضْلٍ وَمُرُوءَةٍ وَأَمَانَةٍ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَالَ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قُلْت لاَ يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي أَرْضِ رَجُلٍ, أَوْ ضَيْعَتِهِ فِيهِمْ قَتْلٌ وَطَلاَقٌ وَحُقُوقٌ وَغَيْرُهَا وَمَتَى رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ بَطَلَتْ دِمَاؤُهُمْ وَحُقُوقُهُمْ قَالَ فَأَنَا لَمْ أُبْطِلْهَا وَإِنَّمَا أَمَرْت بِإِجَازَةِ شَهَادَةِ الْأَحْرَارِ الْعُدُولِ الْمُسْلِمِينَ قُلْت وَهَكَذَا أَعْرَابٌ كَثِيرٌ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُعْرَفُ عَدْلُهُمْ وَهَكَذَا أَهْلُ سِجْنٍ لاَ يُعْرَفُ عَدْلُهُمْ وَلاَ يُخْلَطُ هَؤُلاَءِ وَلاَ هَؤُلاَءِ أَحَدٌ يَعْدِلُ أَتَبْطُلُ الدِّمَاءُ, وَالْأَمْوَالُ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ لاَ يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ؟ قَالَ نَعَمْ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ شَرَطَ اللَّهُ قُلْنَا وَلاَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِمَّنْ شَرَطَ اللَّهُ, بَلْ هُمْ أَبْعَدُ مِمَّنْ شَرَطَ اللَّهُ مِنْ عَبِيدٍ عُدُولٍ لَوْ أُعْتِقُوا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ مِنْ غَدٍ, وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ حَتَّى نَخْتَبِرَ إسْلاَمَهُ وَقُلْت لَهُ إذَا احْتَجَجْت بِ: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أَفَتُجِيزُهَا عَلَى وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ حَيْثُ ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ لاَ; لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قُلْنَا أَفَتُنْسَخُ فِيمَا نَزَلَتْ فِيهِ وَتَثْبُت فِي غَيْرِهِ؟ لَوْ قَالَ هَذَا غَيْرُك كُنْت شَبِيهًا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ جَوَابِهِ إلَى شَتْمِهِ قَالَ مَا قُلْنَا فِيهَا إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوهُ وَأَرَدْنَا الرِّفْقَ بِهِمْ قُلْنَا الرِّفْقُ بِالْعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ, وَالْأَحْرَارِ مِنْ الْأَعْرَابِ وَأَهْلِ السِّجْنِ كَانَ أَوْلَى بِك وَأَلْزَمَ لَك مِنْ الرِّفْقِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَمْ تَرْفُقْ بِهِمْ; لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ فِي الشُّهُودِ غَيْرُهُمْ وَغَيْرَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَيْفَ جَاوَزْت شَرْطَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَلَمْ تُجَاوِزْهُ فِي الْمُسْلِمِينَ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَقُلْت أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى إذَا تَحَاكَمُوا إلَيْنَا, وَقَدْ زَنَى مِنْهُ ثَيِّبٌ رَجَمْنَاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ أَرْجُمُهُمَا إذَا زَنَيَا; لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنْ لاَ يَرْجُمُهُمَا إذَا زَنَيَا وَقَالُوا جَمِيعًا فِي الْجُمْلَةِ نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ الْإِسْلاَمِ فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَرَأَيْت إذَا أَرْبَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ حَلاَلٌ؟ قَالَ أَرُدُّ الرِّبَا; لِأَنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَنَا قُلْت وَلاَ تَلْتَفِتُ إلَى مَا عِنْدَهُمْ مِنْ إحْلاَلِهِ؟ قَالَ لاَ قُلْت أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَى مَجُوسِيٌّ مِنْهُمْ بَيْنَ يَدَيْك غَنَمًا بِأَلْفٍ, ثُمَّ وَقَذَهَا كُلَّهَا لِيَبِيعَهَا فَبَاعَ بَعْضَهَا مَوْقُوذًا بِرِبْحٍ وَبَقِيَ بَعْضُهَا فَحَرَقَهَا عَلَيْهِ مُسْلِمٌ, أَوْ مَجُوسِيٌّ فَقَالَ هَذَا مَالِي وَهَذِهِ ذَكَاتُهُ عِنْدِي وَحَلاَلٌ فِي دِينِي, وَقَدْ نَقَدْت ثَمَنَهُ بَيْنَ يَدَيْك وَبِعْت بَعْضَهُ بِرِبْحٍ, وَالْبَاقِي كُنْت بَائِعَهُ بِرِبْحٍ, ثُمَّ حَرَقَهُ هَذَا؟ قَالَ فَلَيْسَ لَك عَلَيْهِ شَيْءٌ قُلْت فَإِنْ قَالَ لَكَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ حَرَامٌ, قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ لَكَ: حَرَامٌ عِنْدَكَ أَوْ عِنْدِي؟ قَالَ: أَقُولُ لَهُ: عِنْدِي, قُلْتُ: فَقَالَ: هُوَ حَلاَلٌ عِنْدِي, قَالَ: وَإِنْ كَانَ حَلاَلاً عِنْدَك فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدِي عَلَيَّ وَمَا كَانَ حَرَامًا عَلَيَّ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْك قُلْت فَإِنْ قَالَ فَأَنْتَ تُقِرُّنِي عَلَى أَنْ آكُلَهُ, أَوْ أَبِيعَهُ وَأَنَا فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ وَتَأْخُذُ مِنِّي عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ قَالَ فَإِنْ أَقْرَرْتُك عَلَيْهِ فَإِقْرَارُك عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ لَك عَلَى أَنْ أَصِيرَ لَك شَرِيكًا بِأَنْ أَحْكُمَ لَك بِهِ قُلْت فَمَا تَقُولُ إنْ قَتَلَ لَهُ خِنْزِيرًا, أَوْ أَهْرَاقَ لَهُ خَمْرًا؟ قَالَ يَضْمَنُ ثَمَنَهُ قُلْت وَلِمَ قَالَ; لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ قُلْت أَحَرَامٌ عَلَيْك أَمْ غَيْرُ حَرَامٍ؟ قَالَ, بَلْ حَرَامٌ قُلْت أَفَتَقْضِي لَهُ بِقِيمَةِ الْحَرَامِ مَا فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّبَا وَثَمَنِ الْمَيْتَةِ لِلْمَيْتَةِ كَانَتْ أَوْلَى أَنْ يُقْضَى لَهُ بِثَمَنِهَا; لِأَنَّ فِيهَا أُهُبًا قَدْ يَسْلُخُهَا فَيَدْبُغُهَا فَتَحِلُّ لَهُ وَلَيْسَ فِي الْخِنْزِيرِ عِنْدَك مَا يَحِلُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قُلْت لَهُ مَا تَقُولُ فِي مُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ سَلَخَ جُلُودَ مَيْتَةٍ لِيَدْبُغَهَا فَحَرَقَ تِلْكَ الْجُلُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدِّبَاغِ مُسْلِمٌ, أَوْ ذِمِّيٌّ؟ قَالَ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ قُلْت وَلِمَ, وَقَدْ تُدْبَغُ فَتَصِيرُ تَسْوَى مَالاً كَثِيرًا وَيَحِلُّ بَيْعُهَا قَالَ; لِأَنَّهَا حُرِقَتْ فِي وَقْتٍ فَلَمَّا أُتْلِفَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ حَلاَلاً لَمْ أَضْمَنْهَا قُلْت, وَالْخِنْزِيرُ شَرٌّ, أَوْ هَذِهِ؟ قَالَ, بَلْ الْخِنْزِيرُ قُلْت فَظُلْمُ الْمُسْلِمِ, وَالْمُعَاهِدِ أَعْظَمُ أَمْ ظُلْمِ الْمُعَاهِدِ وَحْدَهُ؟ قَالَ, بَلْ ظُلْمُ الْمُسْلِمِ, وَالْمُعَاهِدِ مَعًا قُلْت: فَلاَ فَمَا أَسْمَعُك إلَّا ظَلَمْت الْمُسْلِمَ, وَالْمُعَاهِدَ, أَوْ أَحَدَهُمَا حِينَ لَمْ تَقْضِ لِلْمُسْلِمِ بِثَمَنِ الْأُهُبِ, وَقَدْ تَصِيرُ حَلاَلاً وَهِيَ السَّاعَةَ لَهُ مَالٌ لَوْ غَصَبَهُ إيَّاهَا إنْسَانٌ لَمْ تَحِلَّ لَهُ, وَكَانَ عَلَيْك رَدُّهَا إلَيْهِ وَظَلَمْت الْمُعَاهِدَ حِينَ لَمْ تَضْمَنْ ثَمَنَ أُهُبِهِ وَثَمَنَ مَيْتَتِهِ, أَوْ ظَلَمْته حِينَ أَعْطَيْته ثَمَنَ الْحَرَامِ مِنْ الْخَمْرِ, وَالْخِنْزِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلِهَذَا كِتَابٌ طَوِيلٌ هَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْهُ وَفِيمَا كَتَبْنَا بَيَانٌ مِمَّا لَمْ نَكْتُبْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ, وَالْمَسَاكِينِ} قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ فَقُلْنَا بِمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إذَا وُجِدَ الْفُقَرَاءُ, وَالْمَسَاكِينُ وَالرِّقَابُ, وَالْغَارِمُ وَابْنُ السَّبِيلِ أُعْطُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ صِنْفًا مِنْهُمْ وَيُحْرِمُهَا صِنْفًا يَجِدُهُمْ; لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَابِتٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا صِنْفًا وَاحِدًا وَيَمْنَعَ مَنْ بَقِيَ مَعَهُ فَقِيلَ لَهُ: عَمَّنْ أَخَذْت هَذَا؟ فَذَكَرَ بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ لاَ أَحْفَظُهُ قَالَ فَقَالَ إنْ وَضَعَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَجِدُ الْأَصْنَافَ أَجْزَأَهُ قُلْنَا فَلَوْ كَانَ قَوْلُ هَذَا الَّذِي حَكَيْت عَنْهُ هَذَا مِمَّا يَلْزَمُ لَمْ يَكُنْ لَك فِيهِ حُجَّةٌ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فَإِنْ وَضَعَهَا, وَالْأَصْنَافُ مَوْجُودُونَ أَجْزَأَهُ وَإِنَّمَا قَالَ النَّاسُ إذَا لَمْ يُوجَدْ صِنْفٌ مِنْهَا رَدَّ حِصَّتَهُ عَلَى مَنْ مَعَهُ; لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ نَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهِ مِمَّنْ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَعَهُ, فَأَمَّا, وَالْأَصْنَافُ مَوْجُودَةٌ فَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مَالَهُ لاَ يَجُوزُ, وَلَوْ جَازَ هَذَا جَازَ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ فَيَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّا لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَطُّ يَلْزَمُ قَوْلُهُ, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا كِتَابُ اللَّهِ وَكَيْفَ تَحْتَجُّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُنَّةٍ وَلاَ أَمْرٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ وَلاَ أَمْرٍ بَيِّنٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَقَدْ تَرَكْنَا مِنْ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ أَكْثَرَ مِمَّا كَتَبْنَا اكْتِفَاءً بِبَعْضِ مَا كَتَبْنَا وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ, وَالْعِصْمَةَ, وَقَدْ بَيَّنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَمْ يَحْتَجُّوا فِي إبْطَالِ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ بِشَيْءٍ زَعَمُوا أَنَّهُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ إلَّا, وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ بِلاَ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُوا قَالُوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَأْخُذَ مَا آتَانَا وَنَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَانَا وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ ذَلِكَ وَبَيَّنَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَمَعَهُ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَيْضًا, فَأَيُّ جَهْلٍ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ يَحْتَجُّونَ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ لاَ يَرَوْنَهُ حُجَّةً لِغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ؟ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
|